خالد يونس

خلال السنوات القليلة القادمة لن يكون الهاتف المحمول أو “النقال” مجرد هاتف فحسب، وإنما سيكون حاسوبًا وتليفزيونًا وجريدة ومكتبة ومفكرة شخصية، وبطاقة ائتمان في نفس الوقت، وذلك مع دخول الجيل الثالث من أنظمة الاتصالات الذي يطلق عليه IMT-2000، وقد أجازه الاتحاد الدولي للاتصالاتI.T.U. ووضع المواصفات التقنية له؛ ليفتح عالمًا جديدًا من الاتصالات متعددة الوسائط، تجعل العالم بين يدي مستخدم الهاتف المتنقل في ظل هذا النظام.

وسوف يغير هذا الجيل الثالث بشكل قاطع طرق الاتصال بين البشر ونفاذهم إلى المعلومات وأسلوب عملهم وحتى أنشطتهم الاجتماعية أو الشخصية، وذلك بفضل السرعة التي يتميز بها وتزيد بنحو ثلاثة أضعاف سرعة النظام الحالي للشبكة الرقمية متكاملة الخدمات ISDN.

كما سيتيح الهاتف في نظام IMT – 2000 النفاذ إلى مجموعة من الخدمات اللاسلكية عريضة النطاق التي توفر معلومات شخصية أو تجارية، كما سيتيح النفاذ بسرعة عالية إلى شبكة “الإنترنت”، ويمكن للمشتركين تلقي أخبار مسبقة التحديد ومعدة خصيصًا لهم، وكذلك البحث في نشرات تحتوي على مواد مرئية أو سمعية، هذا بالإضافة إلى الوصول إلى البريد الإلكتروني المصور أو السمعي، وكذلك تنظيم مؤتمرات بالفيديو أثناء انتقال المشترك من مكان إلى آخر.

ويتوقع خبراء الاتصالات أنه خلال فترة تقل عن عشر سنوات من الآن سيزيد عدد المشتركين في الخدمة المتنقلة على عدد المشتركين في الخدمة الثابتة، وبذلك يكون قطاع الاتصالات المتنقلة قد سَجَّل نموًّا من الصفر إلى مليار مشترك خلال عقدين تقريبًا، أما في قطاع الاتصالات الثابتة، فبعد ما يزيد على 125 عامًا لم يصل عدد المشتركين إلى المليار بعد.

وتؤكد دراسة للاتحاد الدولي للاتصالات أن هذه الثورة التكنولوجية هي نتيجة جهود كبيرة بذلها القطاع الصناعي في الدول المتقدمة على المستويين الفكري والهندسي بغية تحقيق قفزة نوعية تتخطى التفكك الذي طغى حتى اليوم على عالم الاتصالات اللاسلكية، وقد أدى هذا في النهاية إلى صدور قرار هام بالإجماع على المواصفات التقنية الخاصة بأنظمة الجيل الثالث IMT – 2000.

إن هذا الاتفاق يعني أنه من الممكن تحقيق التشغيل البيني بالكامل للأنظمة المتنقلة لأول مرة في التاريخ، وبذلك سيكون بإمكان مصنعي أجهزة الهواتف المتنقلة بناء وحدات اتصالات تعمل في أي مكان من العالم بمعزل عن الشبكة الخاصة أو موجات الراديو التي يعتمدها المُشَغِّل الذي يوفر الخدمات المتنقلة في النطاق المحلي.

وتشير التقديرات إلى أنه من المتوقع أن تسجل أنظمة الجيل الثالث نموًّا من 1.5 مليار دولار أمريكي عام 2001م إلى 9.2 مليار دولار عام 2005م، بالإضافة إلى استثمار في البنية التحتية لدعم خدمات الاتصالات في الجيل الثالث من المتوقع أن يصل إلى مليار دولار أمريكي عام 2001م، وأن يبلغ ذروته بقيمة تتخطى 5 مليارات دولار عام 2003م.

وتؤكد دراسة الاتحاد الدولي أنه من الضروري توفير حرية التنافس للقطاع الخاص في بيئة خالية من العوائق التي تحول دون نشر أنظمة الجيل الثالث، كي يتمكن المستهلكون من الاستفادة من هذه المنافسة على الصعيد العالمي، وهذا هو ما ستتمكن أنظمة IMT -2000 من تحقيقه إذا ما التزمت جميع الأطراف المعنية بالمواصفات التي اتفق عليها بشأن هذه الأنظمة.

ويتميز معيار تلك الأنظمة بمرونته وإمكانية تطوير تطبيقاته على أساس معيار وحيد ينطوي على خمسة أوجه ممكنة لبنية موجات الراديو، هي زمن التردد وموجة حاملة وحيدة وتشفير زمني وموجات حاملة متعددة والانتشار المباشر، وتقوم هذه الأوجه على ثلاث تكنولوجيات هي الشبكات القائمة على بروتوكول إنترنت IP والمعيار المطور ANSI – 41 والنظام المطور GSM (MAP).

وقد رغب مشغلو هذه الأنظمة عند دخولهم إلى الأسواق المستقبلة لهذه التكنولوجيا الجديدة ضرورة دعم شبكات تشغل مجموعة من الخدمات المختلفة؛ لتجنب مشكلات الفعالية والتكاليف، وبهدف تحقيق أداء عالي السرعة والنوعية للمشتركين الذين تزداد طلباتهم يومًا بعد يوم، كما ساد اتفاق واسع على أن تكون أسعار أنظمة IMT – 2000 في حدود معقولة تجذب كلاً من المشغلين والمشتركين، وذلك عن طريق التكيف مع الأنظمة الحالية وتصميم الأنظمة الجديدة من وحدات قابلة للتوسع بسهولة؛ لاستيعاب تزايد المشتركين ومناطق التغطية وأنماط الخدمة بما يجعلها مرنة للغاية، وتقوم على نظام يسمح بتشغيل بيني كامل مع تجوال عالمي.

كما أن أنظمة IMT – 2000 تسمح للمشغلين بالانتقال من شبكاتهم الحالية إلى شبكات الجيل الثالث المحسنة الأولية مع إتاحة الفرصة لاستعمال تخصيصات جديدة من الطيف الترددي أو إعادة استعمال أجزاء الطيف المستعملة حاليًا في أنظمة الجيل الثاني عندما يقل استعمال هذه الأنظمة، أي أن هذا التنوع في إمكانيات التشغيل يمكن المشغلين من تشكيل سوق جديدة ومربحة مع الاحتفاظ بالأرباح التي تدرها الخدمات القائمة والاستفادة بالكامل من استثمارات أنظمة الجيل الثاني.

ومن المتوقع أن تقدم أنظمة الجيل الثالث من الاتصالات المتنقلة حلولاً فعالة لتقليص الثغرة في مجال الاتصالات بين الدول المتقدمة والنامية؛ وذلك لأن الأنظمة اللاسلكية قليلة التكلفة نسبيًّا فيما يتعلق بتركيبها وإدارتها وصيانتها وسرعة إنشائها وتؤمن النفاذ إلى المناطق الوعرة جغرافيًّا.

وتذكر دراسة الاتحاد الدولي للاتصالات أن الأهداف المثالية التي ترمي إليها أنظمة IMT – 2000 كادت تتحطم في عدة مناسبات، عند النظر في الفرص التجارية الهائلة المتمثلة في تلك الأنظمة، ولم يكن من المفاجئ أن تحاول المجموعات الصناعية ذات المصالح القوية أن تؤثر على هذه العملية لصالحها، ولكن تدخل الاتحاد كمنظمة دولية حيادية أدى إلى تحقيق معادلة جيدة على أساس الكسب المتبادل بين مختلف الأطراف.

وقد بدأ بالفعل منح الرخص لمشغلي أنظمة الجيل الثالث ومنحت فنلندا هذه الرخص، أما المملكة المتحدة فهي تمنح رخصها بالمزاد العلني، ومن المتوقع أن تتبعها ألمانيا والنمسا وفرنسا وإيطاليا قريبًا، وقد تم تحديد قدر من الطيف في عام 1992م كي يستعمل في شبكات IMT – 2000 في المستقبل، وعلى الرغم من ذلك استعمل قدر من هذا الطيف في أغراض أخرى بالولايات المتحدة الأمريكية.

وأخيرًا فإن أنظمة الجيل الثالث من الاتصالات المحمولة سوف تنقلنا إلى العولمة في مجال الاتصالات، ولكن نجاح هذه الأنظمة سيتوقف على استخدام أجهزة الهاتف المتنقل الذي يعمل وفق نظام IMT – 2000 عبر دول العالم بدون قيود، ولتحقيق ذلك ينبغي اتخاذ بعض التدابير بشأن الاعتراف المتبادل بإقرار الصلاحية والترخيص ورسم استخدام الجهاز