بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالعلماء متفقون على أن الفوائد الربوية هي عين الربا الذي حرمه الشرع الإسلامي، وهذه الفتوى اعتمدت على اجتهاد هو في الأصل خطأ ، وجاء معارضا لنصوص الكتاب والسنة ، مخالفا لإجماع الأمة التي اتفقت على أن تحديد البنوك للفوائد من قبيل الربا المنهي عنه شرعا.
يقول فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي ـ أستاذ الفقه وأصوله بالجامعات السورية:
هذا القرار في واقع الأمر باطل لعدة أمور:
أولا: لاعتماده على اجتهاد خطأ محض في نصوص هذه الشريعة الإسلامية، طبقا لما تقرره المجامع الدولية الفقهية الأخرى ، وبالذات مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة في قرار سابق له، وهو أن جميع الفوائد المصرفية أخذا أو عطاء تعد من قبيل الربا الذي حرمه الإسلام. فيكون هذا القرار باطلا لهذه الأمور المختلفة فهو:
أولا: يعارض صريح القرآن الكريم في سورة البقرة وغيرها التي تحرم الربا تحريما قاطعا في مثل قول الله جل جلاله: {وأحل الله البيع وحرم الربا} وقوله سبحانه: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}.
وأيضا الأحاديث النبوية المتكررة في هذا الشأن في التعامل بالنقود، فتنطبق هذه الأحاديث على هذه العقود التي هي مجرد إيداع أموال واخذ فوائد عنها من البنوك التقليدية.
ثانيا: هناك أيضا مصادمة للقرار وهي أن مجامع الفقه الإسلامية الدولية مثل: مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي والمجمع الفقهي في مكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي ومجمع الفقه في الهند وغيرها من المجامع التي تعبر عن مجموع علماء هذه الأمة رفضوا جعل الفوائد الربوية من البنوك التقليدية مما يسوغه شرعا وأن ذلك حرام بعينه فهو عين الربا المحرم في النصوص التشريعية.
ثالثا: إن هذا القرار مبني على خطأ واضح ، وهو أنه يجعل هذه الودائع مستثمرة من قبيل البنوك التقليدية، علما بأن قانون البنوك التقليدية يمنعها من الاستثمار والاتجار وكل ما تقوم به هذه البنوك هو: عبارة عن جسر بين المقرض والمقترض، فهي واسطة لأخذ أموال الناس وإعطاء فوائد ثابتة عنها ثم تقرض هذه الأموال بدورها إلى أناس آخرين فتأخذ منهم فائدة أكثر وهي 7% مثلا ، وتعطي لصاحب الوديعة الأصلية مبلغ 4%.
والفرق هو الذي يستفيده البنك بين المقرض والمقترض.
فالبنوك التقليدية التجارية هي عبارة عن مجرد وسيط بين المقرض والمقترض ، ولا تقوم لا بالاستثمار، ولا بالتشغيل، وتعطي فوائد ثابتة، وذلك محرم شرعاً.

بين العقد الربوي والمضاربة الشرعية:
المضاربة تكون في التشغيل بالأعمال التجارية ونحوها والبنك التقليدي الربوي لا يقوم بهذا العمل أصلا بحسب النصوص القانونية التي تسمح لهذه البنوك بالنشاط المصرفي المحض دون أن تقوم بشيء من الاتجار أو الاستثمار أو غير ذلك، وكل فائدة ثابتة سواء سميت فائدة أو سميت ربحا إذا كان ذلك ثابتا فهي تتنافى مع أصول الشركة التي تقوم عليها مشروعية الشركات في الإسلام. هذه الشركات تقوم على أساس المساهمة والمشاركة في الربح والخسارة ووجود ربح مقطوع أو ثابت يتنافى مع مشروعية هذه الشركة.
إذن فالقرار لا يتفق بحال من الأحوال لا مع النصوص الشرعية ولا مع اجتهادات الفقهاء ولا مع تفسير معنى الربا، فالبنوك الربوية في الواقع تطبق ما كان عليه العرب في الجاهلية حينما يقترض الإنسان مبلغا من المال لمدة سنة ثم يعجز عن سداده فيأتي إلى المقرض فيقول له زدني في الأجل وأزيدك في العوض، فالمقرض يقول له إما أن تربي وإما أن تدفع، وهو عاجز فيمد له في الأجل ويعطيه زيادة في الفائدة وهو ما تقوم به البنوك الربوية في الوقت الحاضر، إذ أنها تضم فائدة مركبة كل سنة حينما لا يستطيع المقترض سداد مبلغ القرض فتضم عليه فائدة ربوية، فهذا يطابق ما كان عليه عرب الجاهلية والذي جاء النص القرآني منددا وموبخا وناهيا المسلمين عن تقليدهم في قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} فالفائدة المركبة تكون في مبدأ الأمر 7% ثم في العام القادم 14% ثم في العام الثالث 21% وهكذا دواليك ، وهذا معنى مضاعفة الفوائد الذي جاء في القرآن في إحدى مراحل تحريم الربا ،وهو النهي الواضح عن أكل الربا أضعافا مضاعفة. وهذا تعبير عن ذلك الواقع الظالم الذي كان عليه العرب في الجاهلية.
وأما الآية الأخيرة والنهائية التي جاءت تحرم الربا كما ذكرت في مطلع كلامي، فهي تحرم كل أنواع الربا وكل أنواع الفوائد سواء كانت الفائدة قليلة أم كثيرة.
فإذن مجموع هذه الضوابط يجعل مثل هذا القرار مبنيا على أخطاء متعددة ،وينبغي العمل على إلغائه في أقرب فرصة ممكنة.
وقد رتب بعض إخواننا من علماء الأزهر فتواهم أو قرارهم على معلومات تعد خطأ محضاً، سواء في مصادمة ما أجمع عليه المسلمون من تحريم قليل الربا وكثيره أو في فهم مدلول أربى أو في نشاط هذه البنوك حيث لا تقوم باستثمار كما يظن بعض هؤلاء، وبالتالي تكون الودائع مستثمرة في نشاط تجاري أو غيره، فكل هذه المعلومات ينبغي أن تصحح وأن يعاد القرار إلى وجهه الصحيح الذي يتفق مع ما عمل به المسلمون طوال أربعة عشر قرنا، والظروف الحاضرة.

والناس عليهم أن لا ينخدعوا بمثل هذه القرارات الخاطئة وأن لا ينجروا إلى مثل هذه الفتاوى التي هي خطأ محض و(أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) وأن يتثبتوا من واقع الأمر وأن لا يرموا باللائمة على تقليد هذا القرار.
والله أعلم.

فتاوى ذات الصلة :
يمكن للسائل قراءة فتوى فضيلة الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي بعنوان : فوائد البنوك والمضاربة المشروعة
.
ثانيا الفتوى التي بعنوان : فوائد البنوك هي الربا المحرم.

أ.د وهبة الزحيلي علامة سوريا