من عيون شعر الغزل العربي  قصيدة رائعة خالدة كتبها شاعر أندلسي عرف بـ ابن زيدون لمحبوبته المتواجدة في قرطبة بعد فراره من سجنه بقرطبة إلى “إشبيلية”  فأرسل هذه القصيدة التي عرفت بـ ( نونية ابن زيدون ) قال فيها :

وَنَابَ عَنْ طِيْبِ لُقْيَانَا تَجَافِيْنَا

أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ تَدانِيْنا

حِينٌ فقام بنا للحِين ناعِينا

ألا وقد حانَ صُبح البَيْنِ صَبَّحنا

حُزنًا مع الدهر لا يَبلى ويُبلينا

مَن مُبلغ المُبْلِسينا بانتزاحِهم

أنسًا بقربهم قد عاد يُبكينا

أن الزمان الذي ما زال يُضحكنا

بأن نَغُصَّ فقال الدهر آمينا

غِيظَ العِدى من تساقينا الهوى فدعوا

وانبتَّ ما كان موصولاً بأيدينا

فانحلَّ ما كان معقودًا بأنفسنا

رأيًا ولم نتقلد غيرَه دينا

لم نعتقد بعدكم إلا الوفاءَ لكم

بنا، ولا أن تسروا كاشحًا فينا

ما حقنا أن تُقروا عينَ ذي حسد

وقد يئسنا فما لليأس يُغرينا

كنا نرى اليأس تُسلينا عوارضُه

شوقًا إليكم ولا جفت مآقينا

بِنتم وبنا فما ابتلت جوانحُنا

يَقضي علينا الأسى لولا تأسِّينا

نكاد حين تُناجيكم ضمائرُنا

سُودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا

حالت لفقدكم أيامنا فَغَدَتْ

وموردُ اللهو صافٍ من تصافينا

إذ جانب العيش طَلْقٌ من تألُّفنا

قطوفُها فجنينا منه ما شِينا

وإذ هَصَرْنا غُصون الوصل دانية

كنتم لأرواحنا إلا رياحينا

ليسقِ عهدكم عهد السرور فما

أن طالما غيَّر النأي المحبينا

لا تحسبوا نَأْيكم عنا يُغيِّرنا

منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا

والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً

من كان صِرفَ الهوى والود يَسقينا

يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ فاسق به

إلفًا، تذكره أمسى يُعنِّينا

واسأل هناك هل عنَّي تذكرنا

من لو على البعد حيًّا كان يُحيينا

ويا نسيمَ الصِّبا بلغ تحيتنا

منه ولم يكن غِبًّا تقاضينا

فهل أرى الدهر يَقصينا مُساعَفةً

مسكًا وقدَّر إنشاء الورى طينا

ربيب ملك كأن الله أنشأه

مِن ناصع التبر إبداعًا وتحسينا

أو صاغه ورِقًا محضًا وتَوَّجَه

تُومُ العُقُود وأَدْمَته البُرى لِينا

إذا تَأَوَّد آدته رفاهيَة

بل ما تَجَلَّى لها إلا أحايينا

كانت له الشمسُ ظِئْرًا في أَكِلَّتِه

زُهْرُ الكواكب تعويذًا وتزيينا

كأنما أثبتت في صحن وجنته

وفي المودة كافٍ من تَكَافينا

ما ضَرَّ أن لم نكن أكفاءَه شرفًا

وردًا أجلاه الصبا غَضًّا ونَسْرينا

يا روضةً طالما أجْنَتْ لَوَاحِظَنا

مُنًى ضُرُوبًا ولذَّاتٍ أفانِينا

ويا حياةً تَمَلَّيْنا بزهرتها

في وَشْي نُعمى سَحَبْنا ذَيْلَه حِينا

ويا نعيمًا خَطَرْنا من غَضَارته

وقدرك المعتلى عن ذاك يُغنينا

لسنا نُسَمِّيك إجلالاً وتَكْرِمَة

فحسبنا الوصف إيضاحًا وتَبيينا

إذا انفردتِ وما شُورِكْتِ في صفةٍ

والكوثر العذب زَقُّومًا وغِسلينا

يا جنةَ الخلد أُبدلنا بسَلْسِلها

والسعد قد غَضَّ من أجفان واشينا

كأننا لم نَبِت والوصل ثالثنا

حتى يكاد لسان الصبح يُفشينا

سِرَّانِ في خاطرِ الظَّلْماء يَكتُمُنا

عنه النُّهَى وتَركْنا الصبر ناسِينا

لا غَرْو فِي أن ذكرنا الحزن حِينَ نَهَتْ

مكتوبة وأخذنا الصبر تَلْقِينا

إذا قرأنا الأسى يومَ النَّوى سُوَرًا

شِرْبًا وإن كان يروينا فيُظمينا

أمَّا هواكِ فلم نعدل بمنهله

سالين عنه ولم نهجره قالينا

لم نَجْفُ أفق جمال أنت كوكبه

لكن عدتنا على كره عوادينا

ولا اختيارًا تجنبناه عن كَثَبٍ

فينا الشَّمُول وغنَّانا مُغَنِّينا

نأسى عليك إذا حُثَّت مُشَعْشَعةً

سِيمَا ارتياحٍ ولا الأوتارُ تُلهينا

لا أَكْؤُسُ الراحِ تُبدى من شمائلنا

فالحُرُّ مَنْ دان إنصافًا كما دِينَا

دُومِي على العهد، ما دُمْنا، مُحَافِظةً

ولا استفدنا حبيبًا عنك يُثْنينا

فما اسْتَعَضْنا خليلاً مِنك يَحْبسنا

بدرُ الدُّجَى لم يكن حاشاكِ يُصْبِينا

ولو صَبَا نَحْوَنا من عُلْوِ مَطْلَعِه

فالطيفُ يُقْنِعُنا والذِّكْرُ يَكْفِينا

أَوْلِي وفاءً وإن لم تَبْذُلِي صِلَةً

بِيْضَ الأيادي التي ما زلْتِ تُولِينا

وفي الجوابِ متاعٌ لو شفعتِ به

صَبَابةٌ منكِ نُخْفِيها فَتُخفينا

عليكِ مِني سلامُ اللهِ ما بَقِيَتْ