ماذا تعني فتاوى الأمة؟

هل تعني فتاوى الأمة أن نصنف هذه الفتاوى بين فتاوى الأعيان والأفراد وفتاوى الأمة، وتسكين ذلك دون أن نتعرف على المترتبات على ذلك؟ وصف فتوى ما بأنها من فتاوى الأمة يعنى أكثر من جانب (كما يشير الشكل 1).

إذن تعني فتاوى الأمة أن تتعرف على مقتضيات ومتطلبات ومكنونات مفهوم الأمة، من حيث مصالحها وقضاياها والأدوار المنوطة بها والخطاب المتوجة إلى فئاتها، ووعي الأمة وتكوينه والمقاصد المتعلقة بالأمة، والنظر المتكامل لقضاياها المتنوعة وتحدياتها الكلية؛ فالأمة في فتواها وجب أن تكون إستراتيجية وحضارية ومستقبلية بما يعبر عن ضرورات تأسيس علوم للتدبر والتدبير بما يتعلق بعناصر الأمة الجامعة بما يحرك دافعيتها. ففتاوى الأمة حالة تحرك عموم الأمة [1].

ما هو إذن المسوغ للحديث عن هذا الموضوع ونحن بصدد التعامل مع أحداث سبتمبر (الأمريكية)؟ ولماذا نجعل القضايا التي ترتبت عليها موضعًا لفتاوى الأمة؟

إن ما ستعرضه هذه الدراسة حول “العملية الإفتائية” أوضح -وبكل طريقة- كيف استدعت كل قضايا الأمة بمناسبة الحدث [2] ابتداء من مفهوم الأمة ومتطلباته، والاستعانة بالأجنبي أو إعانته على مسلم، وقضايا الصراع العربي الإسرائيلي، والحلف الأمريكي الإسرائيلي، ووصف المقاومة بالإرهاب، وعملية التنمية التابعة، وأحاديث المقاطعة وفتاواها المختلفة، والارتباط بين الأبعاد الثقافية وتشكيل الأحداث الدولية، ودور الدين في العلاقات الدولية، وموضوعات الأقليات الإسلامية في الغرب، ووجود الغرب في العالم الإسلامي، والتحديات التي تتعلق بشرعية النظم السياسية، وفاعلية الحركات الشعبية ومؤسسات الأمة والمجتمع المدني، والاستبداد في الداخل والاستعانة بالخارج، وعلاقات الداخل بالخارج عمومًا، وكيف زحف الخارج على حياض الداخل من أقرب طريق؟

إن تمكين الخارج من الداخل لا يمكَّن له إلا بمقدار ما يمكِّن له الداخل وقبلياته. قضايا كبرى صارت “تتداعى” مع بعضها حين الفتوى، وتداعي الأمم على المنطقة جاء ليحقق مصالحها ضمن سياساتها وإستراتيجياتها، في غياب رؤى وطنية وعربية وإقليمية ممتدة حتى في مجالها الحيوي في العالم الإسلامي.

ماذا تعني الحالة الإفتائية؟

ليس من هدف هذه الدراسة البحث في محتوى هذه الفتاوى أو الأدلة التي استندت عليها، فهذا من عمل من يهتمون بالصياغة الشرعية للفتاوى، ومدى ملاءمة الدليل للقضايا المتعلقة بالفتوى، والذي هو من عمل القائمين بالاجتهاد من الفقهاء والعلماء. إنما هدف هذه الدراسة أن تدرس الإفتاء باعتباره ظاهرة صارت تمارس مع تجدد الحادثات، ومع تعدد النوازل، فصارت الفتوى تُستدعى من كل طريق لأنْ تدلي بدلوها في قضية ثارت هنا أو هناك، أو قضية ذاعت وانتشرت. ومن هنا فإن من أهداف هذه الدراسة البحثَ فيما أسميناه “الحالة الإفتائية”[3]: أهم دواعيها، وأهم سماتها، فضلاً عن مظاهرها، ومتطلباتها، خاصة حينما يتعلق الأمر بفتاوى الأمة سواء تعلقت بمسيراتها أم بمواقفها، (شكل 2).

هكذا يمكن أن نرى تكوُّن الحالة الإفتائية التي -مع تصورها- يجب أن تستدعي عملية استفتائية كاملة الأركان (المستفتي – المفتي – الفتوى)، بل هي تكون من غير مستفتٍ لو اعتبرنا أن قضايا الرأي العام في حكم الاستفتاء، وعلى المفتي ضمن أدواره أن يستشعر هذه القضايا وتأثيرها فيتعرض للإفتاء فيها من دون مستفتٍ متعيّن، إلا أن صياغة فتاوى الأمة تستأهل الاجتهاد بما يكافئ مقام فتاوى الأمة وخطورتها.

هذا عن الحالة الإفتائية في عمومها، فماذا عن خصوصيتها في تعلقها بأحداث سبتمبر الأمريكية المراد لها أن تكون كونية؟ كيف ننظر إلى الحالة الإفتائية وإلى أحداث سبتمبر؟!

محاور الدراسة:

  • المقدمة
  • مفاهيم المنظومة الإفتائية
  • الحالة الإفتائية وأحداث سبتمبر

1- من المهم ونحن بصدد فتاوى الأمة أن نلحظ معاني الأمة في هذا المقام. انظر: د. السيد عمر، حول مفهوم الأمة في قرن: نقد تراكمي مقارن، ضمن: أ.د. نادية مصطفى، “الأمة في قرن” عدد خاص من “أمتي في العالم” حولية قضايا العالم الإسلامي 1420-1423هـ- 2000-2001م، الكتاب الأول: الأمة في قرن..، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2002، ص ص 61-130، انظر أيضاً: أحمد حسن فرحات، الأمة في دلالتها العربية والقرآنية، عمان: دار عمار للنشر والتوزيع 1983.

2- وجب علينا أن نتعرف كذلك على التطورات التي طرأت على مفاهيم أخرى تعلقت بمفهوم الأمة مع ما يعنيه ذلك من تأثير قد يحسن اعتباره -ونحن بصدد الحديث عن فتاوى الأمة- خير نموذج يدلنا على ذلك: د. نادية مصطفى، سيف الدين عبد الفتاح، أمتي في العالم: حولية قضايا العالم الإسلامي العدد الأول والثاني بالإضافة إلى العددين الثالث والرابع اللذين صدرا ضمن عدد خاص حول “الأمة في قرن”.

3- في إطار مفهوم الحالة الإفتائية الذي نقترحه ونحن بصدد تحليل فتاوى الأمة، فإننا نحتناه بمناسبة رسالة الدكتوراه التي أشرفتُ عليها حول الإفتاء، انظر: عبد العزيز شادي، الإفتاء والسياسة في مصر، القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، بحث غير منشور، 2000م.


**أستاذ بكلية السياسة والاقتصاد – جامعة القاهرة