مايان أورشوليتشي

ترجمة: د.أسامة القفاش

كوب ماء نقي.. هل هو حلم يصعب تحقيقة الآن؟

الماء هو الحياة.. لا نستطيع الحياة بدون ماء، ومن لا يعرف هذه البديهية أو لا يصدقها عليه أن يحاول قضاء يومين دون تناول أي سوائل.. من يستطيع هذا؟!

الماء، مثله مثل الهواء والنور، شرط من شروط الحياة على كوكبنا، وشرط من شروط الحياة في الكون كله. يعتقد العلماء بإمكانية الحياة على المريخ بسبب وجود ماء هناك. وقامت قصة “آرثر سي كلارك” مؤلف الخيال العلمي البريطاني الشهير “أوديسا الفضاء” على فكرة وجود ماء على القمر “يوروبا” أحد أقمار كوكب المشترى، أكبر كواكب مجموعتنا الشمسية.

الماء -كما نعلم- يشكل 70% من أجسادنا، ومن الماء الذي نتناوله نستمد العناصر الغذائية الضرورية كالأملاح المعدنية والفيتامينات. ونحن لا نستخدم الماء في الشرب فقط فالماء هو المذيب الأول، أي أقوى السوائل قدرة على إذابة أكبر عدد ممكن من المركبات والعناصر؛ وبسبب هذه القدرة نستخدم الماء في التنظيف، سواء تنظيف أنفسنا أو تنظيف منازلنا أو تنظيف أدواتنا.

أيضًا نستخدم الماء في الطبخ، فكل الأكل الذي نأكله يدخل فيه الماء.. باختصار: بدون ماء لا حياة. الأفضل أن نقول: دون ماء نظيف. فالماء الملوث يسبب العديد من الأضرار وقد يؤدي إلى الموت.

والواقع أن حضارتنا الغراء قد فعلت كل ما في وسعها لتلويث مصادر المياه على كوكبنا. ورغم هذا لم يتوصل أحد بعد إلى اكتشاف بديل للماء، وما زال العلماء يعتمدون على الماء.

يبيعون الماء.. وكأنهم صنعوه!!

ولأن الماء أحد الموارد الطبيعية فقد أصبح موردًا للمال أيضًا. وثمة عدد متزايد من البشر يحاول احتكار موارد الماء من أنهار وينابيع وآبار لتحويلها لنقود. بل إن بعض هؤلاء يعالج ماء الأنابيب ويضيف له أملاحا معدنية ثم يبيعونه على أنه ماء معبأ من الآبار.

ومنذ فترة ليست بعيدة كان الناس في الدول النامية ينظرون لسكان الدول المسماة بالمتقدمة في تعجب ويسألون: “لماذا لا يشرب هؤلاء الناس ماء الصنابير مثلنا، لماذا يشترون الماء المعبأ في زجاجات صغيرة؟”.

أما الآن فقد صار العالم كله يشتري الزجاجات الصغيرة بدعوى أنها أكثر صحية وغير ملوثة، ومن يشرب من ماء الصنبور ينظر له الناس في تعجب ويتساءلون: “ألا يخشى المرض؟!”، إلا أن البعض ما زال مجبرًا على تذوق هذا الماء “بطعم الكلور”؛ لأنه لا يستطيع أن يشتري ماء الزجاجات.

كيف وصلنا إلى هذه الحال؟

ماء الصنابير.. غني بالكلور

لقد بدأ كل شيء -في اعتقادي- عبر مجموعة من النوايا الحسنة التي قد تعبد الطريق لجهنم كما يقول المثل. أراد البعض أن يوفروا ماء الآباء والينابيع النقي للآخرين الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المصدر.

لكن لكل قصة جانبها السيئ، ويبدأ هذا الجانب في قصة تجارة الماء مع تزايد التلوث البيئي الناجم عن تزايد التصنيع، وإلقاء المخلفات الصناعية بمختلف أنواعها في المصادر المائية الكبرى كالأنهار والبحيرات. ونتيجة التلوث البيولوجي ازدادت البكتيريا والجراثيم في الماء وسارع “المختصون” لإنقاذنا من هذا التلوث فأضافوا “الكلور للماء”.

كم منا يعرف أن الكلور غاز سامٌّ استخدم كأحد الأسلحة الكيميائية القاتلة في الحرب العالمية الأولى؟ بعد هذه الحرب فكر أحد “الأذكياء” في استخدام الكلور للحرب ضد البكتيريا في الماء، ومن ثم صار لدينا ماء لا يمكن شربه في الواقع يأتي إلينا عبر الأنابيب. ونفتح الصنابير في بيوتنا لنستخدمه هنيئًا مريئًا، فماء الصنابير مليء بالكلور لدرجة أننا لا نحتاج لإضافة سم إليه لتسميم الحياة!

يرى الدكتور ج. م. براين العالم البيولوجي الأمريكي “أن الكلور هو أكبر قاتل في التاريخ الحديث”، ويضيف “أنه بعد عقدين من كلورة الماء (إضافة الكلور للماء) بدأت الأمراض النادرة، مثل أمراض القلب والسرطان والشيخوخة المبكرة في اتخاذ أشكال وبائية”.

وتؤكد الأبحاث العلمية أن الكلور له علاقة بسرطانات الكبد والمثانة والأمعاء الغليظة، كما أنه أحد العوامل المؤثرة في تصلب الشرايين والأنيميا وارتفاع ضغط الدم والحساسية وغيرها.

لكن هذا لا يكفي، فما زال في جعبة الكلور الكثير ليقدمه لنا. قد يقول البعض: نحن لا نشرب الماء المكلور ولكننا نستحم به فقط.

حسنًا، إلى هؤلاء نقول: “أثبتت الأبحاث أن الجسم يمتص الكلور أثناء الاستحمام، وأن كمية الكلور الداخلة للجسم خلال حمام مدته 10 دقائق تعادل الكمية الآتية من شرب 8 أكواب كبيرة من نفس الماء!!

هل من سبيل إلى حل!

من يعطي هؤلاء الأطفال ماء نقيا

نعم هناك عدة وسائل.. ثمة مرشحات عديدة ووسائل تنقية مختلفة لتنقية المياه، لكن هذه الوسائل غير متاحة للمواطن العادي الفقير؛ لأنها وسائل مكلفة وغالية. ويأتي السؤال: هل نهز أكتافنا ونكتفي بأننا نحيا ولا نفكر في الغد والمستقبل أم أننا سنحيا حتى نرى بأعيننا تحقق نبوءة سكان أمريكا الأصليين.

تقول الأسطورة: إن أحد الأزتيك قال للغزاة الأوربيين: “لسوف تمتلكون جبالاً من الذهب، لكن كل ثرواتكم لن تغنيكم نفعًا، ولن تمكنكم من الحصول على قطرة ماء نقية واحدة”.

من الواضح أمام أعين العديد من البشر (للأسف ليس من بينهم المنفذين) أن أهم شيء الآن هو أن نسارع لحل المشاكل الصغيرة، وربما أهمها هو أن نستعيد الماء الصحي النقي ونجعله رخيصًا -ومجانًا إن أمكن- لا أن نبني مشاريع عملاقة خيالية بلا جدوى حقيقية، فالحقيقة هي أن الجسم السليم لا يستقيم إلا مع الماء النقي الطبيعي.

مصادر الماء في العالم عديدة ومتنوعة. والماء هو أغلى الثروات الطبيعية التي يجب أن تفخر الأمم بامتلاكها، ولكن للأسف لا ندرك هذا. وقد يأتي اليوم الذي نندم فيه على هذه الغفلة، عندما نجد أن كل المصادر الطبيعية للماء قد احتلت واحتكرها حفنة من المستثمرين الباحثين عن الثراء والذين هم متأكدون أنهم سيحصلون على ما يبحثون عنه عبر عطش العامة التي لن تجد سبيلاً إلا أن تدفع غاليًا كي تحصل على ماء نقي تشربه.

هل سيأتي اليوم الذي سنشتري فيه الهواء المعبأ في زجاجات كي نستطيع الحصول على هواء نقي نتنفسه أيضاً؟؟ سؤال قد يجيب عنه المستقبل.

تابع في نفس الموضوع:

اقرأ أيضاً: