المغرب- جواد الشقوري**

2005/01/31

غلاف ترجمة معاني القرآن للأمازيغية

أثارت الترجمة الجديدة لمعاني القرآن الكريم إلى الأمازيغية جدلا واسعا بسبب كونها لم تصدر عن جهات لها صلة بمؤسسة العلماء، بل أتت من أحد المقربين من الحركة الأمازيغية؛ إذ لم يعرف عن المترجم جهادي الحسين باعمراني التخصص في العلوم الشرعية. غير أن المدافعين عنه يقولون إنه يحفظ القرآن بعدة قراءات، وقام بكتابة السيرة النبوية بالأمازيغية “تاغاراست ن. ربي” وله ديوان أمازيغي منشور “تيماتارين” كما له ديوان آخر غير منشور ومثله بالعربية. وهو أستاذ باحث ساهم في معلمة المغرب، ويعده البعض مفتيا للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، وهي من أمهات الجمعيات الأمازيغية وأقدمها. وهو من المحسوبين على تيار “تمزيغ” الفكر الإسلامي.

قصة الترجمة إلى الأمازيغية

استغرق هذا العمل اثنتي عشرة سنة، وأتى تتويجا لجهود ومحاولات سابقة لترجمة معاني القرآن إلى الأمازيغية، ويذكر المترجم في مقدمته أن المغاربة قد قاموا بترجمة معاني القرآن منذ القرن الثاني الهجري.

 وربما تكون المحاولة المنسوبة إلى فقهاء مملكة برغواطة الأمازيغية “القرن العاشر الميلادي” أول محاولة لترجمة معاني القرآن إلى اللغة الأمازيغية، وقد ضاعت بفعل الصراعات والنزاعات.

ونقل بعض الباحثين أن المهدي بن تومرت ربما يكون قد قام بترجمة مماثلة لكنها مفقودة. وفي القرن الحادي عشر الهجري حاول أحد علماء سوس ترجمة معاني القرآن.

وقد اشتهرت فتوى الحسن بن مسعود اليوسي ” ت 1102هـ” بجواز ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الأمازيغية، وذلك في عهد السلطان الأعظم مولاي إسماعيل العلوي، المتوفى سنة 1139هـ. كما يشير المترجم إلى أن مما أثلج صدره وقوى إيمانه ما قرره مجلس علماء الإسلام بالقاهرة، وهو أن يترجم معاني القرآن الكريم إلى جميع لغات الشعوب، وقد حضر في ذلك المؤتمر علماء من المغرب.

منهج الترجمة

يحدد المترجم منهجه في الترجمة فيقول: اعتمدت في هذا العمل رواية ورش عن نافع، مستعينا بطريقة الترجمات من بعض اللغات، ومركزا على التفاسير المشهورة وعلى أمهات مراجع اللغة العربية، مع الاعتماد على تفسير القرآن بالقرآن وبالأحاديث الصحيحة وبقول الصحابي. وتمنى المترجم أن تساعد هذه الترجمة على فهم مباشر لمن لا يعرف سوى الأمازيغية. ومن يطالع الترجمة فسيخالفه الرأي بالتأكيد، بل وسيذهب إلى أن الأمازيغي نفسه لا بد له من تعلم العربية أولا حتى يتمكن من قراءة الترجمة؛ لأنها كتبت بالحرف العربي!.

وعن عدم اعتماد الترجمة لحرف تيفيناغ المتبنى حاليا، قال إبراهيم أخياط “أحد منظري الحركة الثقافية الأمازيغية” بأن هذه مسألة مرحلية فقط، لأن المجتمع ليس مؤهلا بعد للتقبل أو الالتفاف حول الترجمة بحروف تيفيناغ، حسب رأيه.

كتبت هذه الترجمة بالأمازيغية وبالحرف العربي، ولكل آية رقمها الترتيبي في السورة في المصحف، ووضع نفس الرقم لتفسير معاني ألفاظها، عند مقارنة الآيات بترجمة معانيها، والتفسير فيها حسب رواية ورش، مع الاعتماد على المشهور في تقسيم الأحزاب والوقف.

وعندما يختلف المفسرون، وتتشعب التفاسير في المعنى فإن المترجم يرجح تفسير القرآن بالقرآن مع الاستعانة بالسنة.

ورأى المترجم أنه كان من الأفضل أن يسجل المصحف الكريم، في الصفحة المقابلة لهذه الترجمة لتسهل المقارنة وليتيسر الفهم، كما جرت العادة غالبا في الترجمات الشائعة. إلا أن الجانب المادي -يقول المترجم- قد حال دون ذلك، رغم دعم ووقوف الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي وراء هذا العمل!.

 الرأي العام المغربي

ومن المفيد أن نشير إلى الظروف التي خرجت في أجوائها الترجمة تختلف عن السبعينيات من القرن المنصرم التي بدأ فيها التفكير في إعداد هذه الترجمة، فقد انحسرت حساسية الموضوع وخطره كثيرا من الناحية الدينية، وقلت المخاوف من احتمالات أن يحول بعض العلماء المسألة إلى تأليب للرأي العام على الحركة الأمازيغية، كما كان اعتقاد جل منظري المسألة الأمازيغية في المغرب.

أما فيما يخص موقف علماء المغرب من هذه الترجمة فليس هناك -إلى وقت كتابة هذه الكلمات- موقف لرابطة علماء المغرب، أو لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، أو حتى لعلماء آخرين، إلا أن الأمر الذي أُخبرنا به من بعض الجهات هو نية الوزارة في تكليف لجنة لمراجعة الترجمة، وربما تبنيها إذا ما وافقت عليها.

نعم قد يكون فيما مضى نقاش حول الترجمة إلى الأمازيغية من حيث الأصل، لكن بعد أن أصبحت الأمازيغية لغة تدرس، ولقيت اعترافا من أعلى سلطة في البلاد، فإن الأمر اقتصر فقط على مضمون الترجمة، ويفسر بعض أقطاب الحركة الأمازيغية سكوت العلماء، بكونهم في رأيهم ينتظرون رأي السلطة، ثم بعد ذلك سيصفقون لهذا الرأي!.

غير أن السبب الحقيقي في عدم قدرة أغلب العلماء المغاربة على تبني موقف من الترجمة التي جاءت من جهة غير محسوبة على مؤسسة العلماء في المغرب هو عدم إتقانهم اللغة الأمازيغية، في حين أن معظم العلماء الذين يتقنون الأمازيغية يوجدون على الهامش، رغم أنه قد تكون لديهم آراء مهمة في الموضوع.

رأي أمازيغي إسلامي

ولهذا السبب وجدنا أن أبرز من أخذ زمام الاهتمام بهذا الموضوع هو الدكتور سعد الدين العثماني القطب البارز في حزب العدالة والتنمية الإسلامي، على اعتبار تخصصه الشرعي؛ فهو خريج دار الحديث الحسنية من جهة، ثم من جهة ثانية فهو يتقن الأمازيغية، كما كان والده محمد العثماني من الناشطين في الحقل الأمازيغي ومن الذين -كما قيل لنا- كانوا قد كلفوا مبكرا بالترجمة إلا أن الأجل أدركه.

ويعتبر سعد الدين العثماني هذا العمل عملا تاريخيا رائدا، بعدما لم يكتب النجاح أو البقاء لمحاولات سابقة، وهو يرى أن المترجم عبر في ترجمته عن وعي تام بالاختلاف بين الترجمة الحرفية والترجمة غير الحرفية، لذلك سمى عمله “ترجمة معاني القرآن الكريم”، سيرا على خطى المتخصصين المسلمين الذين قاموا بترجمات إلى مختلف لغات العالم.

كما يظهر من الترجمة أن المؤلف حاول قدر جهده اجتناب الـتـرجمة اللفظية، بل إنه درج على وضع تفسير لكثير من التعبيرات التي يظن أنها في حاجة إليه.

ومن الأمثلة التي ذكرها العثماني على ذلك أنه يضع بعد الأحرف المقطعة “مثل: ألف لام ميم/ ألف لام راء/ طه/ حم” عبارة: “ربّي كاد يسّنّ ماد سرس يواتس” “ربي وحده يعلم معناه”. وهذه العبارة غير واردة في النص القرآني، لكن إيرادها أمر جيد، ويفيد في تقريب المعنى.

ويظن العثماني أن المترجم أكثر من استعمال هذه الطريقة بما يجعل عمله أشبه بترجمة مفسرة لمعاني القرآن. ويضيف أنه من الضروري وضع الترجمة مع النص القرآني، مصحوبا معها، لأنه ليس من المعتاد طبع تراجم مجردة من النص العربي الأصل.

ملاحظات ومؤاخذات

ومن بين الملاحظات الأولية التي أبداها الدكتور سعد الدين العثماني نذكر ما يلي:

أولا: مسألة المصطلحات الدينية. فلقد استعمل المترجم أحيانا كلمات عديدة كما ينطقها الأمازيغ ممزغة من اللفظ العربي. وهكذا ترجم الأستاذ جهادي كلمة “القرآن” مثلا: بـ “لُقْرانْ”، وكلمة الحج بـ “الحيجّ”، مسايرة للنطق الأمازيغي. وفي رأي العثماني فإن هذا أمر يحتاج إلى نقاش، وأثار الأسئلة التالية: هل نتبع المؤلفين السوسيين السابقين الذين اختاروا استعمال الكلمات العربية الأصل، أم نبحث عن مرادفاتها الأمازيغية، ولو لم تكن متداولة؟! وينتهي العثماني إلى ترجيح الاحتفاظ باللفظ العربي الممزغ لأن حمولته من المعاني أقوى وأدل على المراد.

ويذكر العثماني أن الذي لم يفهم سببه هو أن الأستاذ جهادي يستعمل أحيانا هذا وأحيانا ذاك، ولم يسر على منهج واحد. فهو بالنسبة للفظ الجلالة “الله” تارة يتركه بالنطق العربي، وهو الغالب عليه، وأحيانا يترجمه بلفظ “ربّي” التي يستعملها عادة لترجمة كلمة الرب. وفي مقابل كلمة الإيمان يستعمل لفظ “تافلاست”، مع أن المستعمل لدى المؤلفين السوسيين هو لفظ “ليمان” ذي الدلالة الخاصة والواضحة. واختار لترجمة كلمة جهنم الكلمة الأمازيغية: “أرواس” التي تعني التهلكة. والمترجم هنا -يقول العثماني- يسوي في الغالب بين ألفاظ مثل: جهنم والجحيم والنار، ويترجمها كلها بلفظ واحد، ولو كانت كذلك ما نوّع القرآن تلك الأسماء. ومرة أخرى يرجح العثماني الاحتفاظ بكلمة جهنم التي ليست عربية في الأصل.

ثانيا: يزخر القرآن بالأسماء المتنوعة للأمر الواحد، وهو ينوع فيها حسب السياق وحسب المقاصد الخاصة لكل آية وسورة. فمثلا قد يصف القرآن نفسه بأنه هدى ونور وذكرى وفرقان، وعلى الرغم من أنها كلها تعني القرآن فإن ذلك ليس معناه أن نترجمها كلها بلفظ واحد من بينها. فاستبدال كلمة واحدة بأخرى مرادفة يفقد النص جانبا من أصالته وإعجازه، مهما يبدو من التشابه بين الكلمتين المتبادلتين. وقد ينفرد اللفظ بإيحاء فلا يمكن أن يؤديه لفظ آخر. ويشير العثماني إلى أن المؤلف وقع في هذا الأمر في مواضع عدة.

ومن بين الأمثلة على ذلك أنه يترجم لفظ الهدى الوارد في آيات كثيرة بترجمات مختلفة. فعندما نقارن بين ترجمة لفظ “هدى” الواردة هنا وصفا للقرآن، أو له ومعه التوراة والإنجيل، أو للكتاب الذي أنزل على موسى في سورة الأنعام، نلاحظ أنها تارة ترد بلفظ “تيفاوت” الذي يعني النور، وتارة بجملة تعني: يهدون الناس إلى الطريق، وفي الآية الرابعة اجتمع النور والهدى، فاضطر المترجم إلى ترك لفظ “تيفاوت” مقابل النور واختيار لفظ “تانارا” للهدى، وهذا هو الصواب، أن يستعمل لكل لفظ عربي اللفظ الأمازيغي المقابل له.

ثالثا: يجب الاحتياط في ترجمة آيات العقيدة؛ إذ يرى العثماني أن اختيار لفظة غير مناسبة يمكن أن يحرف المعنى، أو ينسب إلى الله تعالى ما لا يليق، وقد أظهر المترجم -والكلام للعثماني- احتياطا كبيرا في هذا المجال، ويتضح ذلك من اختياره للعبارات، ومن محاولته إضافة بعض التفسيرات التي تخفف من عدم دقة ترجمة بعض المفردات أو الآيات.

ويدعونا العثماني للتوقف مثلا عند ترجمته لوصف الله نفسه في القرآن بالاستواء على العرش؛ فأول ملاحظة يسجلها هي أن المترجم يتبع ترجمته للآية بعبارة “سـ غمكلّيد ديس يوشكان”، ومعناها: كما يليق به. وهذا أمر جيد لأنه يزيل أي لبس عن المعنى الذي يمكن أن يفهم من الآية، ويضيف أنه بغض النظر عن بعض الاختلافات في ألفاظ هذه العبارة المزيدة من موضع لآخر، فإننا نلاحظ أيضا أن المترجم استعمل في خمسة مواضع لترجمة الآية تعبير “يسكّوس ف ودابو نس” أي: جلس على عرشه، وفي موضع واحد: جلس على العرش، وأخيرا عبارة: “ئكا ؤندّابو وي نس” أي: العرش ملك له. ويتساءل العثماني قائلا: فلم هذا التغيير في ترجمة معنى العبارة الواحدة؟ وأي تأثير لذلك على فهم آية مرتبطة بالعقيدة الفهم السليم؟.

رابعا: يجب ترجمة آيات الأحكام بألفاظ ومعان دقيقة تبلغ المقصود، وتأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن يفهم منها من أحكام، وللعثماني في هذا المجال ملاحظات على الترجمة الواردة لعدة آيات، واكتفى منها بترجمة السيد جهادي للآية: “أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم” “البقرة/187”. فقد أوردها كالتالي: “هان يعدل أون آد تّناولم تيمغارين نّون”، ولفظ “يعدل أون” في الأمازيغية يعني: يستحسن لكم أو يستحب لكم، مع أن الآية لا تفيد إلا الإباحة. وقد ترجم السيد جهادي كلمة “أحل” في آيات أخرى بلفظ “ئزري” وهو أصح وأولى أن يستعمل هنا أيضا.

واقترح العثماني أن يتم تكوين لجنة متعددة الاختصاصات، تضم لغويين ذوي دراية باللغتين العربية والأمازيغية، ومتخصصين في التفسير والفقه، ويستعينون بمتخصصين آخرين في مختلف فروع المعرفة.

وآثر العثماني الترجمات الجماعية تجنبا للأخطاء في نقل معاني القرآن، واقترح -ثانيا- أن تشكل هذه اللجنة فريقا متكاملا يقوم بمراجعة هذه الترجمة، ويتم الاستعانة في ذلك بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية لإصدار ترجمة رسمية معتمدة.

وبعد مضي أيام على ورقته هذه قمنا بالاتصال بالدكتور العثماني لنرى مدى ثبات موقفه الأول، فذكر لنا بأن ورقته كانت أولية فقط، وأنه الآن بصدد القيام بدراسة عميقة لهذه الترجمة؛ إذ تبين له مؤخرا أن هذه الترجمة فيها هفوات كثيرة.

لكن مما يحسب للمترجم أنه ختم ترجمته بقوله: “انتهت ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الأمازيغية، والله أعلم بمراده بذلك”، تأكيدا على نسبية عمله واندراجه ضمن الأعمال الاجتهادية.

 اقرأ أيضا:


** باحث وكاتب أمازيغي