إن الناظر في كتاب الله المسطور -القرآن الكريم- وكتاب الله المنظور -الكون الفسيح- لينتهي إلى حقيقة مهمة وهي أن ثمة علاقة طردية بين ارتكاب الذنوب والغرق في المعاصي، من جهة، وبين ما يحل بالناس -فرادى وجماعات- من فتن ومحن وبلايا. وهذا ما يصدقه قوله تعالى: “وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ”، وقوله سبحانه: “ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ”.فهل الذنوب وراء زلازل الأرض؟

ورغم مرور قرابة أسبوعين على الكارثة البشرية المروعة التي نجمت عن الزلزال العنيف الذي ضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية يوم الأحد 26-12-2004، وتابعته أمواج من المد البحري تأثر بها عدد من دول جنوب شرق آسيا، ألحقت دمارا وهلاكا واسع النطاق، وأسفرت عن سقوط ما يزيد عن 155 ألف قتيل، فضلا عن إصابة وتشريد الملايين، وتدمير بيوتهم.. رغم ذلك فلم يكد الناس يفيقون بعد للوقوف على الحدث واستنباط الدروس والعبر.

وللإجابة على السؤال: هل الذنوب وراء زلازل الأرض؟ نقول إنه للجمعة الثانية على التوالي، يسيطر خطْب الزلزال على خطب الجمعة في معظم البلدان العربية والإسلامية، ففي خطبة الجمعة يوم السادس والعشرين من شهر ذي القعدة لعام 1425 هـ، الموافق السابع من شهر يناير لعام 2005 من الميلاد، دعا كل من الداعية الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس السابق لجامعة الأزهر، إلى الوقوف مليا أمام الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب آسيا وخلف دمارا كبيرا، في محاولة لأخذ العبر واستخلاص الدروس المستفادة.

دروس وعبر

و في إطار الإجابة على السؤال:هل الذنوب وراء زلازل الأرض؟ نقول أن خلاصة ما جاء في خطبة الشيخ القرضاوي أن الزلازل والبراكين وسائر النوائب هي عقوبة إلهية تستهدف إهلاك الطغاة والجبارين، وتأديب العصاة والمفسدين، وتنبيه الناسين والغافلين، واختبار وابتلاء المؤمنين.

وهذه الزلازل والبراكين التي تقع تدلنا على مدى جهل الإنسان بما حوله، رغم ما وصل إليه من علم وحضارة وتقدم، فرغم هذه الثورات الهائلة في التكنولوجيا والفضائيات فما زال الإنسان جاهلا بما سيقع له بعد ثوان، وقد عجز العلماء رغم ما أوتوا من علم عن أن يتنبئوا بوقوع هذا الزلزال أو غيره من الزلازل والبراكين التي راح ضحيتها ملايين البشر.

وإن هذه الزلازل والبراكين هي من جنود الله عز وجل التي يسخرها لينفذ بها قدرته، وقد سخر الله تعالى الماء ليعذب به فرعون، وسخر الريح ليهلك بها قوم عاد، وسخر الصواعق ليهلك بها ثمودَ، قال تعالى : “فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

وقد جاء القرآن الكريم يذكر لنا أن الله تعالى أهلك أقواما بسبب ذنوبهم، فقال الله عن قوم فرعون: “وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ”، وقال عن عاد:” وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ”، وقال عن ثمود: “وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”.

إن الله يفعل ذلك ليعلم الجميع أن الله هو الفاعل الوحيد والمطلق في هذا الكون كله، وإن ما يقع فيه من شيء إنما هو بإرادة الله وقدرته وعلمه”، قال تعالى: “وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ…”.

بلاء للمؤمن والكافر

وقد يتساءل متسائل: لماذا هذا الزلزال الرهيب في هذه المناطق بالذات دون غيرها؟ وفي هذا الوقت بالذات؟ والإجابة: أن هذا الوقت من السنة هو موسم سياحي لدى هذه المناطق، وأن هذه المناطق هي مناطق سياحية، يكثر فيها فعل المنكرات وتناول المسكرات واقتراف الموبقات، وخاصة “السياحة الجنسية” التي تكثر في هذه المناطق، وتأتي في الترتيب الثالث عالميا بعد تجارة السلاح والمخدرات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل.

وإن الله سبحانه حليم صبور على الظالم والمفسد والعاصي حتى إذا أخذه لم يفلته، قال تعالى: “وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ”، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه: “إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته”.

إن هناك علاقة وثيقة -بل طردية- بين الزلازل والبراكين -بل غالب النوائب والابتلاءات- وبين الظلم والإفساد في الأرض وارتكاب الذنوب والموبقات، فإن البلاء إذا جاء فإنه يأخذ الصالح والطالح، البر والفاجر، المؤمن والكافر، وإنه كما يكون إهلاكا للجبارين والمجرمين فإنه يأتي ابتلاء للمؤمنين، والله تعالى يقول: “وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا”، وقوله سبحانه: “وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”، غير أن غريق المؤمنين يكون شهيدا.

إنذار من الله

وفي خطبة الدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس السابق لجامعة الأزهر، أكد أن الزلزال الذي وقع بجنوب آسيا إنذار من الله عز وجل، يجب الانتباه إليه والاعتبار به، “فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة”، وقد قال الله تعالى: “وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا” .

إن الله سبحانه وتعالى قد أرسل مع هذا الزلزال رسالة للظالمين والجبارين مؤداها أن الله قادر على إهلاككم إن لم تتوبوا إلى ربكم وترجعوا إليه، وقد قال تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.

وما حدث رسالة للظالمين، مفادها أن الله ينبهكم أيها الظالمون، وأن ما يحدث من الهلاك هو بسبب ما ترتكبوه بأيديكم، قال تعالى: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”.


همام عبد المعبود