يقول الله سبحانه “فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة” (سورة النور: 61) ويقول “لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها” (سورة النور: 27) ويقول: “وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها” (سورة النساء: 86) ويقول: “هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام” (سورة الذاريات: 24، 25).
1- التحية بين الناس تقليد قديم ولهم فيها طقوس مختلفة يمكن الرجوع لمعرفة بعضها في الجزء الثاني من موسوعة الأسرة. والتحية بصيغة السلام قديمة جداً، شرعها الله لأبينا آدم عليه السلام كما يدل عليه حديث البخاري ومسلم أن النبي قال: “خلق الله عز وجل آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوا: رحمة الله” الآيات تدل على أن السلام تحية أهل الجنة فيما بينهم، وتحية الملائكة لهم.
والآية الرابعة تدل على أن الملائكة سلمت على سيدنا إبراهيم عليه السلام، فرد عليهم السلام،والآية الأولى تدل على مشروعية التحية بالسلام في شريعة الإسلام، وأنها مأمور بها، والآية الثانية تنهي عن التهاون فيها، والآية الثالثة تأمر برد التحية على من يبدأ بها، وتحث على أن يكون الرد أحسن من البدء.
2- ولا يشك عاقل في أن التحية بالسلام من عوامل التآلف بين الناس وإشاعة الأمن والمحبة فيما بينهم، ولذلك اختارها الله سبحانه لتكون تحية أهل الجنة بعضهم مع بعض وتحية الملائكة لهم، بعد تحية الله لهم عند دخولها، قال تعالى: “تحيتهم يوم يلقونه سلام” (سورة الأحزاب: 44) وقال: “ادخلوها بسلام آمنين” (سورة الحجر: 4) وقال: “والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار” (سورة الرعد: 24، 24) وقال: “دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام” (سورة يونس: 10).
ولذلك حث عليها النبي في أكثر من حديث، منها “لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم” رواه مسلم.
(“لا تؤمنوا” بحذف النون لغة صحيحة معروفة، أو مشاكلة للفعل المنصوب قبلها، كما في شرح ابن علان لأذكار النووي) وروى البخاري ومسلم أن رجلاً سأل النبي : أي الإسلام خير؟ فقال: “تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف”.
3- والصيغة المشروعة للتحية هي في الحد الأدنى أن يقول المبتدئ السلام عليك، ويسن أن يزيد، ورحمة الله وبركاته، وأن يكون بصيغة الجمع لقوله تعالى: “وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها” وثواب الحد الأدنى عشر حسنات وكل زيادة بعشر. كما في حديث رواه أبو داود والترمذي بإسناد حسن ويكره أن يقول المبتدئ: عليك السلام، فإنها تحية الموتى كما ورد في حديث صحيح رواه الترمذي، وللفقهاء تفريعات يرجع إليها في أذكار النووي.
4- وإذا كانت التحية مشروعة ومأموراً بها، فما هي درجة الأمر، هل الوجوب أو الندب؟ قال العلماء: الابتداء مندوب يثاب المرء على فعله ولا يعاقب على تركه، والإجابة واجبة يثاب المرء على فعلها ويعاقب على تركها.
وإذا كان البادئ بالسلام جماعة كانت السنة على الكفاية، يكفي تسليم واحد منهم، والأفضل أن يسلموا جميعاً، وأما رد السلام من الجماعة فيكون واجباً على الكفاية أي يكفي أن يرد واحد منهم، والأفضل أن يردوا جميعاً،وإن تركوه جميعاً أثموا. والدليل على ذلك حديث رواه داود: “يجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم” ، وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله : “هذا جبريل يقرأ عليك السلام” قال: قلت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته.
5- وإذا كانت تحية السلام مشروعة فهناك أحوال استثنائية لا تشرع فيها، منها:
أ- إذا كان المسلم عليه مشغولاً بالبول أو موجوداً في حمام فيكره إلقاء السلام عليه، ولا يستحق جواباً إن سلم، بل يكره.
ب- من كان نائماً أو ناعساً لا يلقى عليه السلام.
جـ- وكذلك من كان مصليا أو مؤذناً في حال الصلاة والآذان ويحرم على المصلي أن يرد بصيغة المخاطب “عليكم” وتبطل صلاته، ولا تبطل إن كان الرد بصيغة العائب “وعليه” ويستحب الرد بالإشارة لا بالكلام، وإن رد بعد الصلاة فلا بأس، ولا يكره للمؤذن أن يرد، لأن شيء يسير لا يبطل الآذان ولا يخل به.
د- إذا كان المسلم عليه يأكل واللقمة في فمه. لا يسلم عليه ولا يستحق جواباً والرد مندوب أما إذا كان على الأكل وليست اللقمة في فمه فلا بأس بالسلام عليه ويجب الجواب، وكذلك في حال المبايعة وسائر المعاملات يندب السلام وتجب الإجابة.
هـ- السلام على من يستمعون خطبة الجمعة مكروه، لأنهم مأمورون بالإنصات، فإن خالف وسلم لا يجب الرد، وعلى رأي من يقول: إن الإنصات سنة يرد عليه واحد فقط من الحاضرين.
و- والمشتغل بقراءة القرآن يكره السلام عليه، فإن سلم فالراجح وجوب الرد، ثم استئناف القراءة، ولا يكتفي بالرد بالإشارة كما قال البعض. ومثل قارئ القرآن المشتغل بالدعاء والمستغرق فيه، فيكره السلام عليه، كما يكره السلام على المشتغل بالتلبية في الإحرام.
ح- المرأة الأجنبية إن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لا يسلم الرجل عليها، ولو سلم لم يجز لها رد الجواب، وهي لا تسلم عليه ابتداء، وإن سلمت لم تستحق جواباً، فإن أجابها كره له ذلك. وإن كانت عجوزاً لا يفتتن بها جاز أن تسلم على الرجل، وعلى الرجل رد السلام عليها، وإذا كانت النساء جمعا فيسلم عليهن الرجل، أو كان الرجال جمعا كثيرا فسلموا على المرأة الواحدة جاز إذا لم يخف عليه ولا عليهن ولا عليها أو عليهم فتنة،
ط- الفاسق بارتكاب منكر ولم يتب لا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام وقد مر ذلك.
ي- غير المسلم لا يسلم عليه تحريما أو كراهة، وقد مر الكلام في ذلك أيضا.
وقد جمع بعض الشعراء الحالات المستثناة من السلام في قوله:
رد الســلام واجب إلا علـــى
من بصلاة أو بأكل شغلا
أو شــرب أو قــراءة أو أدعية
أو ذكراً وفي خطبة أو تلبية
أو ســلم الطفــل أو السكـران
أو شابة يخشى بها افتتان
أو فاســق أو ناعـــس أو نائم
أو حالة الجماع أو تحاكم
أو كان فـــي حمام أو مجنـونا
فواحد من بعده عشرونا
هذا، ويستحب للإنسان إذا دخل بيته أن يسلم وإن لم يكن فيه أحد، وليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، وذلك للآيتين الأوليين المذكورتين في أول الإجابة، وللحديث الحسن الصحيح الذي رواه الترمذي عن أنس قال: قال لي رسول الله : “يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك”.
ومن أراد الاستزادة في موضوع السلام فليرجع إلى “الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار” للإمام النووي.