يمثل شهر رمضان المبارك للمسلمين عموما في كل مكان دفعة إيمانية، وشحنة روحية ومدرسة تربوية، تعيد للمسلم قوته الإيمانية وتألقه الروحي، وتحيي شعائر الخير في المجتمع، ومظاهر الإسلام في الأمة بأسرها!. لكن رمضان في الغرب له طابع خاص فالمسلمون في أوروبا مثلا بحاجة إلي استغلال هذه الفرصة والاستفادة من الجو الإيماني خلال شهر رمضان، لتعويض بعض جوانب النقص والقصور التي يتأثر بها أفراد الأسرة، من البيئة المحيطة بها.

قال الله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة : 183] وقال تعالي:شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة : 185]

فإذا أحسنت الأسرة المسلمة التي تقضي رمضان في الغرب، في أوربا مثلا، الإعداد لاستقبال هذا الضيف الكريم،ووضع خطة واضحة وبرنامج محدد لهذه لمناسبة الربانية لاشك أنها ستجني أطيب الثمار وأعظم الفوائد.

فشهر رمضان في الغرب بالنسبة للأسرة المسلمة في أوربا واحة غناء ومحطة للتزود بالإيمان والتقوي، فالمساجد والمراكز الإسلامية تتهيأ للبرنامج الرمضاني وتعد له ليستفيد الجميع منه علي اختلاف أعمارهم، والناس مقبلون علي الطاعة والعبادة، ومظاهر الإسلام وشعائره في الأماكن الإسلامية أكثر وأوضح، والبرنامج اليومي لكل فرد يتغير حسب ما يتطلبه الشهر الكريم.

وينبغي علي الأسرة المسلمة التي تحيي رمضان في الغرب أن تشارك في هذا البرنامج العام وتعيش فيه وتنهل منه لتعوض جوانب النقص والقصور في الأوقات الأخرى.

ثم لا تكتفي بهذا الأمر إنما يجب أن يكون للأسرة المسلمة في أوربا جهدها الخاص بها، وزادها للرقي بنفسها من خلال برنامج أسري داخل البيت وخارجه تركز فيه علي :

أسس البرنامج الرمضاني:

1 ـ أن يكون للأسرة المسلمة التي تقضي رمضان في الغرب هدف واضح ومحدد تريد أن تصل إليه خلال هذا الشهر الكريم.

2ـ الاهتمام بالكيف لا بالكم بمعني أن تؤدي العبادة أو العمل في رمضان إيمانا واحتسابا فنقوم بالعمل المؤثر المفيد الذي يعود بالأثر النافع والنتيجة المرجوة، وأن نهتم بمعرفة الحكم والحكمة للأعمال والطاعات التي نقوم بها.

3 ـ أن يشمل البرنامج الرمضاني سائر أفراد الأسرة الصغار والكبار الرجال والنساء.

5 ـ أن يتناسب البرنامج مع ظروف وإمكانات سائر إفراد الأسرة فهناك ما يناسب الصغار وهناك ما يناسب الكبار وهكذا.

6 ـ التأكيد علي الجانب العملي في البرنامج الرمضاني بمعني أن تمارس الأسرة البرنامج الرمضاني عمليا مع بعضها من صيام وصلاة وقراءة القرآن وصدقة ودعاء وغير ذلك.

7ـ التركيز علي البعد التربوي للبرنامج الرمضاني الذي يغرس الفضائل ويجعل الإنسان يتخلي عن ما لا يليق بالمسلم. وينبغي علي الأسرة المسلمة استغلال هذا الشهر الكريم والخروج منه بأكبر نصيب، وأن نركز علي الجوانب التالية خلال شهر رمضان.

جوانب الاستفادة من رمضان في الغرب

أولا:العقيدة

بالتركيز علي البعد الإيماني العقدي، أن مهمة الإنسان في الحياة ليست الأكل والشرب إنما خلق الإنسان لغاية جليلة وحكمة نبيلة ألا وهي عبادة الله تعالي وطاعته، والائتمار بأمره والانتهاء بنهيه حتي لو تعارض ذلك مع حاجات الإنسان الأساسية ورغباته الغريزية، ثم إننا نصوم طاعة وعبادة لله تعالي، ونراقب الله تعالي في كل وقت وحين. ونخلص في عملنا له وحده لا شريك له

ثانيا:العبادة

وشهر رمضان في الغرب فرصة عظيمة لا تعوض للاستزادة من العبادات والطاعات لله تعالي ففيه الصيام والصلاة والذكر وقراءة القرآن والاعتكاف وغير ذلك من العبادات التي يمثل شهر رمضان موسما لها وتجتمع فيه من الطاعات ما لا تجتمع في غيره.

ثالثا:الأخلاق

شهر رمضان في الغرب فرصة عظيمة لإصلاح الأخلاق وتقويم السلوك والتحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، فالصائم الذي يستعلي علي غريزة الجوع والعطش ويتحكم في نفسه إلي هذا الحد، يجب أن يواصل علي هذا المنوال فيقوم أخلاقه، ويعدل من سلوكه ويعلم أن الله تعالي يعطيه الأجر العظيم علي الأخلاق الحسنة والصفات الطيبة التي هي أساس من أسس الإسلام وهدف من أهداف البعثة النبوية قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.)[ المستدرك 4221 ]

رابعا:الارتباط بالمسجد

ففي شهر رمضان في الغرب يقبل المسلمون علي المساجد حفاظا علي الصلوات وأداءا لصلاة التراويح، ولا نريد للأسر المسلمة أن يكون الإقبال علي المساجد في شهر رمضان ثم تهجر المساجد بعد ذلك، خاصة مع بعد بعض الأسر عن أماكن المساجد، فلا يترددون عليها بشكل كاف.

ونتمني أن يكون شهر رمضان في الغرب هو بداية الارتباط بالمسجد، والتردد عليه ارتباطا بالإسلام وتعلما لأحكامه، وأداء لشعائره، وتوثيقا للصلة بالمسلمين، ومنطلقا للقيام بواجب الدعوة إلي الله تعالي علي هدي وبصيرة

خامسا:الحفاظ علي الهوية الإسلامية

فلا شك أن ممارسة الشعائر الإسلامية وأدائها والارتباط بالإسلام والمسلمين علي هذا النحو الذي يتم فيه رمضان يحافظ بشكل واضح علي الهوية الإسلامية، التي نسعي للحفاظ عليها للأسر المسلمة في أوربا خاصة للأجيال الجديدة التي ولدت في أوربا. وهذا الشهر الكريم جرعة مكثفة في هذا الميدان إذا أحسنا الاستفادة منه .

سادسا:الارتباط بالأمة

فالمسلمون في البلد الواحد مهما اختلفت جنسياتهم وقومياتهم وألوانهم يؤدون شعيرة واحدة في شهر واحد، فالأصل أن هذه المعاني تذيب الفوارق بين المسلمين في كل بلد وتقوي شعور الأخوة الإسلامية والرباط الإيماني بين المسلمين في البلد الواحد، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يتخطي الحدود، ولا يعرف هذه القيود التي وضعها الناس، وإنما يستشعر المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها وحدتهم كأمة ورباطهم الإسلامي الذي يجمعهم خلال هذا الشهر الكريم بوضوح وجلاء، والأسرة المسلمة في أوربا بحاجة إلي أن تعيش هذا المعني الإسلامي العظيم، لتستشعر ذلك الرباط الكبير رباط الأمة المسلمة في الماضي والحاضر والمستقبل.

وصايا عملية للأسرة المسلمة التي تقضي رمضان في الغرب

1.إعداد البرنامج الرمضاني قبل دخول شهر رمضان، ومشاركة أفراد الأسرة في إعداده وتهيئته.

2.النفسية والتشجيع، والتحفيز لاستغلال الشهر والاستفادة منه.

3.قراءة فقه وأحكام الصيام في المنزل، وما يتعلق بشهر رمضان الكريم، أو الاستماع للدروس والمحاضرات التي توضح ذلك.

4.توفير ما تحتاجه الأسرة في رمضان من الكتب والمصاحف والأشرطة والمطويات وغير ذلك ما يشجع ويحفز ويساعد في القيام بالعمل.

5.السحور والإفطار سويا قدر الإمكان مع التذكير بالآداب والأدعية النبوية المتعلقة بذلك.

6.اصطحاب العائلة لصلاة التراويح.

7.الاعتكاف في المسجد مع الاستفادة من ذلك في تعليم الصغار آداب وأحكام المساجد.

8.جلسة إيمانية في البيت قدر المستطاع، تذكيرا أو قراءة أو استماعا.

9.أن يقترح كل فرد انه سينمي خلق عنده أو يعدل سلوك خاطئ خلال الشهر.

10.التزاور بين الأسر خلال الشهر، ولا يقتصر الأمر علي الطعام والشراب بل التذكير بالحق والتناصح بالخير والتواصي بعمل البر، وتستعين الأسر ببعضها في النصح والتوجيه للكبار والصغار.

11.التنافس بين أفراد الأسرة في أعمال الطاعة والعبادة والخير.

12.التعاون مع الأم وربة المنزل في إعداد الطعام وتهيئته حتي تتفرغ هي الأخري للعبادة والطاعة.

13.الاهتمام بالتهجد قبل السحور في البيت ولو مرة أو مرتين في الأسبوع لكل أفراد الأسرة معا.

14.العناية والاهتمام بالعشر الأواخر كما كان يفعل النبي صلي الله عليه وسلم فمن هديه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر أنه ” يحيي ليله ويوقظ أهله ” وفي هذا دلالة على أن الأسرة يجب أن تهتم باستغلال هذه الأوقات المباركة فيما يرضي الله عز وجل .

15.العناية بالقرآن الكريم قراءة وحفظا وتلاوة وفهما وتدبرا، فعلي الأسرة أن تجتمع علي القرآن في شهر القرآن.

16.الاهتمام بإعطاء القدوة الطيبة للمسلمين ولغير المسلمين حين يعرف المسلم أنه صائم التزاما بفرائض الله وقياما بشعائر هذا الدين وأن ذلك لا يزيده إلا قوة في الخلق وسموا ورقيا في التعامل مع الناس.

17.الإكثار والإلحاح علي الله تعالي بالدعاء الوارد في القرآن الكريم  وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان : 74]

وبذلك تستطيع الأسرة المسلمة التي تقضي رمضان في الغرب أن تستفيد من هذه المناسبة الكريمة، والفرصة العظيمة لزيادة الإيمان والوصول إلي  منزلة التقوي بإذن الله رب العالمين . وكل ذلك مما يحقق للأسرة السعادة والتماسك والفلاح في الدنيا والأخرة.


الشيخ الدكتور/ علاء محمد سعيد – رئيس الاتحاد الإسلامي للأئمة بإسبانيا