تقوم بعض القنوات الفضائية بإعادة عرض مسلسل (عمر بن عبد العزيز)، وقد تم عرض هذا المسلسل، وإعادة عرضه في معظم القنوات التلفزيونية العربية، ويحق لمحطات التلفزيون أن تحتفي بهذا المسلسل، وتعيد عرضه مرة ومرات، فنحن لا نشك في أنه واحد من أفضل المسلسلات التاريخية التي أُنتجت حتى الآن، لكنه لا يخلو من بعض المآخذ والملاحظات التي لا بد من وضع اليد عليها؛ لتجنب تكرارها في مسلسلات أخرى.

الحوار التاريخي

من أهم إيجابيات هذا العمل، الحوار المتقن الرصين، الذي تمكن فيه الكاتب “عبد السلام أمين”، من تضمينه كثيرا من الحوارات الحقيقية، كما جاءت في المراجع التاريخية، بدون أن يشعر المشاهد بذلك، وبتعبير آخر فقد ارتقى الكاتب بمستوى الحوار ليعبر عن العصر الذي جرت فيه الأحداث، وهو بذلك يمتاز على كثير من المسلسلات التاريخية التي تكتب بلغة الصحف اليومية، فتأتي حواراتها مشوهة مصطنعة، لا تعبر عن عصرها ولغته وصفاته.

لقد دأبت معظم الأعمال التاريخية التي تتحدث عن العصر الأموي بشكل عام، وعن عهد عمر بن عبد العزيز بشكل خاص، على تصوير بني أمية كطغمة ظالمة، تحكم بحد السيف، ولا يهمها إلا جمع الأموال واقتطاع الأراضي، وكبت الأنفاس، ثم يأتي عمر بن عبد العزيز فتشرق شمسه في سواد ليلهم الحالك، ولا يدوم ذلك إلا ثلاثين شهرًا هي مدة حكمه، ويعود كل شيء فاسدا كما كان بمجرد موته.

أما كاتب هذا المسلسل، فإنه لم يسر في ركب هذه الصورة القاتمة المجحفة، بل عاد إلى كتب التاريخ فصور الحكم الأموي على حقيقته نعم: لم يكن خلفاء بني أمية راشدين كالأربعة الأوائل، بل كانوا حكامًا يصيبون ويخطئون، ولكن تعلو مصلحة الأمة عندهم فوق كل مصلحة، لا سيما الأوائل منهم وهم يحكمون بشرع الله، وإن تجاوزوا أو أخطئوا أحيانا، وأكثر ما يتجلى ذلك في شخصية عبد الملك بن مروان، ذلك الخليفة العظيم، الذي أبدع المسلسل في تصوير جوانب شخصيته الفريدة، وأبدع الممثل عمر الحريري في تمثيل هذه الشخصية.

قضايا شائكة

تناول المسلسل ببساطة ووضوح وإنصاف، بعض القضايا التاريخية الشائكة التي كانت وما زالت مثار خلاف كبير، مثل قضية عبد الله بن الزبير، التي تناولها المسلسل من خلال الحوار بين عبد الملك بن مروان وخبيب بن عبد الله بن الزبير؛ حيث أبدى الخليفة إعجابه بابن الزبير كصحابي وعالم وعابد وفقيه، واختلافه معه في قضايا الحكم والخلافة، وأنه حاول أن يخرجه من مكة سالما ليجعل له مجلس علم في الشام، فتحصن في الحرم حتى كان من أمره ما كان.

وفي ذلك أيضا قضية ولاية معاوية بن أبى سفيان الشام فقد تناولها المسلسل من خلال حوار بين عمر بن عبد العزيز الفتى وشيخه، حين بيَّن الشيخ للفتى أن معاوية كان واليا على بلاد الشام منذ عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينما يفتري الكثيرون على عثمان بن عفان رضي الله عنه ويدعون أنه ولاه لقرابته.

الأخطاء التاريخية

نأتي الآن إلى الأخطاء التاريخية التي وقع فيها كاتب هذا المسلسل، ومن أوضحها وأهمها وأبعدها عن الحقيقة، تلك الصورة التي رسمها للحجاج بن يوسف الثقفي، فقد صوره المسلسل وكأنه الحاكم الحقيقي لدولة بني أمية، فهو الذي يُسيِّر أمور الخلافة كما يشاء، ويمكر بالولاة بل بالخلفاء، وله حزب هو {الحزب الحجاجي} وعيونه مبثوثة في كل أرجاء الدولة بما فيها قصر الخليفة ومجالسه، ويُسيطر بشكل كامل على الوليد بن عبد الملك، ويقول: “إذا مات الحجاج أكلتنا الذئاب”، وعندما يموت الحجاج، يصور المسلسل الوليد وقد يئس وقنط وراح يبكيه بكاء مريرًا.

إن هذه الصورة مغايرة تماما لأحداث التاريخ ووقائعه، فالحجاج بسطوته وقوته، لم يكن أكثر من صنيعة من صنائع بني أمية، ولا يستطيع الحجاج أن يحيد عن إرادة الخليفة قيد أنملة، وإن حاد جاءته كتب الخليفة بالتقريع والوعيد فردته عن انحرافه.

ولا ندري كيف يسيطر الوليد على رقعة تمتد من الصين للأندلس، ثم لا يمكنه السيطرة على أحد ولاته.

أغلب الظن أن الكاتب أراد أن ينشئ حبكة درامية لتشويق المشاهد، فجعل من حلقات المسلسل صراعًا بين الحجاج الطاغية وعمر بن عبد العزيز الفقيه، ونحن لا نرى بأسا في أن يطلق الكاتب خياله فيما لا يتعارض مع الحقائق التاريخية.

شعيب.. سارق بيت المال!

من المفارقات العجيبة في هذا المسلسل شخصية شعيب خازن بيت المال، الذي ظل في بيت المال من أول يوم في خلافة عبد الملك الى آخر يوم في خلافة عمر بن عبد العزيز، أي ما يزيد على سبعة وثلاثين عاما، وهو خلال هذه المدة كلها جاسوس للحجاج، وللروم وللفرس، وسارق لبيت المال، ومنافق مخادع، يشترك في المؤامرات ويحيك الدسائس داخل قصر الخلافة وخارجه، من مصر إلى خراسان، وكل من حوله يشكون فيه إلا الخليفة، وهو الذي يحكم أكبر دولة في الدنيا، وتساق إليه الأموال والزكاة، والخراج من كل مكان، ليسرقها شعيب، فهل يمكن أن تكون هذه الصورة لهذا ((الشعيب)) حقيقية؟.

حصار القسطنطينية

يتفق كاتب المسلسل مع جميع المصادر التاريخية على أن من أوائل الأعمال التي قام بها عمر بن عبد العزيز عند تسلمه الحكم، فك الحصار الذي ضربه سلفه سليمان بن عبد الملك على القسطنطينية، ولكن كاتب المسلسل يختلف مع جميع المصادر في سبب إقدام عمر على ذلك.

فقد أجمع المؤرخون على أن سبب فك ذلك الحصار، هو إنقاذ جيش المسلمين الذي كان يحاصر المدينة بدون طائل، والذي تفشى فيه الجوع والمرض وأصبح الاستمرار في إمداده أمرًا مرهقًا للدولة.

أما كاتب المسلسل فجعل سبب فك الحصار عن المدينة الرأفة بأهلها وإشفاقه عليهم من المعاناة، وهذا أمر غريب عجيب؛ لأن جيش المسلمين كان الأولى بالرأفة.

البطل الأوحد

لا شك في أن عمر بن عبد العزيز هو أفضل الخلفاء بعد الراشدين الأربعة، ولكن ذلك لا يسوغ لكاتب المسلسل أن ينسب له ما لم يقم به، إذ جعل كل خير يقوم به أي خليفة أموي بمشورته ورأيه، فهو الذي أشار على عبد الملك بتعزيز النقود وسك الدنانير العربية، وهو الذي أشار على الوليد ببناء الجامع الأموي، وبتوسيع المسجد النبوي، وهو الذي أنشأ داراً للمجذومين وجعل لكل ضرير قائدا، وهو الذي نبّه عبد الملك إلى ضرورة عزل الروم عن الديوان وتعريب دواوين الدولة، وهذا كله لا يتفق مع المصادر التاريخية.

فعبد الملك بن مروان قام بتعريب النقود بالتشاور مع أخيه عبد العزيز وواليه الحجاج عام 72 هجرية، وكان عمر بن عبد العزيز يومها فتى في العاشرة من عمره!. والوليد بن عبد الملك هو من أكثر الخلفاء اهتماما بالبناء والعمران، وتؤكد المصادر التاريخية غرامه الشخصي بالتوسع العمراني، وأنه هو وحده صاحب فكرة بناء الجامع الأموي، وتوسيع المسجد النبوي، والوليد أيضاً هو الذي أمر بفتح دار للمجذومين وجعل قائدا لكل ضرير، ولا ينبغي لكاتب المسلسل أن يُغيِّر حقائق التاريخ ليزيد من قوة تأثير الحلقات، أو ليجعل بطله مصدرا لكل حادث إيجابي في زمانه.

متفرقات

* وهذه بعض الملاحظات والتناقضات المتفرقة، نسوقها باختصار:

  1. ورد ذكر بغداد في بعض حوارات المسلسل، كما كانت هناك في بيت المال خزانة عليها لوحة كتب عليها {بغداد}، وهذا غير صحيح تاريخيا، فمدينة بغداد لم تكن موجودة زمن عمر بن عبد العزيز، ولكنها بنيت في عهد الخليفة العباسي أبى جعفر المنصور، أي بعد وفاة عمر بأكثر من خمسين سنة.
  2. ورد أكثر من مرة على لسان عبد الملك بن مروان أن دولته تمتد من الصين الى بحر المحيط {أي المحيط الأطلسي}، وهذا غير صحيح تاريخيا. فأقصى اتساع للدولة الإسلامية زمن عبد الملك كان أفغانستان شرقا إلى الجزائر غربا، ولم يصل المسلمون للصين والهند والمغرب والأندلس إلا في زمن الوليد بن عبد الملك.
  3. لا ندري كيف يعزل الوليد بن عبد الملك الأمير عمر بن عبد العزيز عن ولاية خناصرة، وهي قرية صغيرة شمال الشام خوف افتتنان الناس به، ثم بعد ذلك يوليه أهم ولاية إسلامية وهي ولاية المدينة ومكة والحجاز، ويبقيه فيها ست سنوات كاملة، ونقول {ست سنوات} استنادا للمصادر التاريخية.

تقودنا الملاحظة السابقة إلى ملاحظة أخرى، وهي أن المسلسل أهمل ذكر التاريخ بعدم تحديده أعوام الحوادث التاريخية، وعلى الأقل تاريخ تولي كل خليفة مقاليد الحكم ومدة خلافته، وتاريخ تولي عمر بن عبد العزيز لولاية المدينة، وتاريخ عزله وتاريخ استخلافه وتاريخ وفاته.