إن وصف المراهقة بالثورة ناتج عن التغيرات الهائلة التي تحدث في حياة الطفل على المستويات العقلية والعاطفية والجسدية والاجتماعية، فتبدل حياته من حال إلى حال، ولأن هدفنا من عرض هذه التغيرات هو أن يفهم المراهقون أنفسهم، ويفهموا آباءهم وأمهاتهم، فإننا كعادتنا سنسلك المنهج العملي في العرض، ولن نسرد هذه التغيرات سردا أكاديميا يمكن الحصول عليه من أي مصدر آخر.

في هذا العرض سنتحدث فيما وراء هذه التغيرات من مظاهر وسلوكيات، أو ربما ما يسميه البعض “مشاكل”، وما هو بمشاكل، ولكنها طبيعة المرحلة بحيث نصبح قادرين على التعامل مع أبنائنا وبناتنا دون معاناة أو صدام.

1- التغيرات الجسدية والجنسية:

وهي أكثر تغيرات المراهقة وضوحا، وتبدأ فيما قبل المراهقة متمثلة فيما نسميه التغيرات الثانوية، وهي مؤشر على دخول الطفل أو الطفلة مرحلة المراهقة؛ ففي الأولاد يخشن الصوت، ويظهر الشعر تحت الإبط وحول العانة، وفي الوجه يظهر الشارب واللحية، وتقوى العضلات، وفي البنات ينعم الصوت، ويظهر الشعر تحت الإبط وحول العانة، ويكبر الصدر، وتتوزع الدهون بشكل أنثوي في الأرداف بحيث يأخذ شكل الجسم الشكل الأنثوي، ويلي ذلك مع الدخول لمرحلة المراهقة التغيرات الجنسية الأساسية حيث تكبر الأعضاء التناسلية للذكر، ويحدث الاحتلام في أثناء النوم، وتتضح الأعضاء التناسلية للأنثى، ويحدث الحيض أو ما يسمى بالدورة الشهرية.

وبناء على ذلك فإن أهم التحديات التي نواجهها في هذه الجزئية هو ما نسميه “الصورة الذهنية للمراهق عن جسده”، والتي تكون سببا في كثير من المشاكل النفسية في هذه المرحلة، والتي لو فهم الآباء أبعادها لوقوا أبناءهم الكثير من المعاناة، والمقصود بها هو تصور الولد عن جسده، والبنت عن جسدها، بمعنى أن الصورة المرسومة للجسد المثالي في هذه المرحلة للولد هي الجسد الممشوق ذو العضلات البارزة مع الوسامة، وبالنسبة للبنت هي ذلك الجسد الأنثوي ذو المواصفات القريبة لمواصفات “موديل” الإعلانات أو عارضة الأزياء، ومن هنا فإن كثيرا من حالات الانطواء أو التمرد في هذه السن لو بحثت وراءها لوجدت أن السبب هو أن الولد جسمه صغير ويعايره زملاؤه بذلك، أو أن البنت لا تبدو عليها علامات الأنوثة وزميلاتها يحدثنها دائما على أنها الصغيرة، والعكس صحيح؛ فالجسم الكبير والعلامات الضخمة للبلوغ أيضا تسبب مشكلة، والمراهق أو المراهقة يعانيان في صمت مع انطواء، أو يثوران في عدوانية، ونحن لا نفكر في هذا السبب ولا نعالجه، في حين أن التهيئة المناسبة للدخول في مرحلة المراهقة تضع هذه النقطة في الاعتبار، علاقة الجوهر بالمظهر، يمكن أن تحل المشكلة خاصة مع إيجاد نقاط للتميز ولكسب الثقة بعيدا عن الجسد وشكله.

وأيضا من مشكلات عدم التحضير الجيد إصابة بعض الفتيات بالصدمة مع حدوث الدورة لأول مرة، أو إصابة بعض الفتيات بنوع من الخجل من أجسادهن، مع الرغبة في إخفاء التغيرات الأنثوية الحادثة لهن، وتحتاج هذه التغيرات إلى توجيه المراهقين إلى نظام غذائي صحي، مع ممارسة الرياضة؛ حتى لا تترهل أجسادهم أو تضعف نتيجة لاحتياجهم الشديد للطاقة.

2- النمو العقلي:

تزداد القدرات العقلية المختلفة مع بداية المراهقة، وتمثل القدرة على التفكير التجريدي أهم ملامح هذا النمو؛ حيث يستطيع المراهق إدراك المعاني وراء الكلمات، فيستطيع أن يفهم الأمور المجردة مثل الحق والصدق والحب، وأيضا يستطيع أن يدرك الأمور الغيبية، ولكنه مع إدراكها تصبح مطروحة للتساؤل اعتمادا على قدرته العقلية المتزايدة، فيصبح كل شيء مطروحا للنقاش؛ بدءا من وجود الله وانتهاء بكل القضايا التي كان يقلد فيها آباءه في المرحلة السابقة، وتفهم هذا الأمر مهم جدا؛ حتى لا يصطدم الآباء بأبنائهم متصورين أنهم يفقدون إيمانهم بالله أو بالذين ينتمون إليه؛ فالأمر مرحلة يفرضها إحساسهم بأن عقلهم أصبح يدرك أبعاد الأمور، وهم يحبون أن يطرحوا على عقولهم كل القضايا ليتأكدوا من قدرتهم على التفكير مثلما كانوا في طفولتهم في بداية تعلمهم للكلام يتحدثون كثيرا لإثبات قدرتهم على الكلام؛ لذا فإن تلقي أسئلتهم وشكوكهم بهدوء والتعامل معها بمنطقية وتفهم يؤدي إلى عبورهم هذه المرحلة بدون مشاكل.

وأيضا يصل التفكير الإبداعي والابتكاري إلى أقصى مستوى له في هذه المرحلة؛ ولذا تعد المراهقة هي أهم محطات اكتشاف الإبداع وتشخيصه؛ وكذلك فإن إطلاق طاقات المراهق وإعطاءه الفرصة لاكتشاف مواهبه بنفسه في هذه المرحلة بدلا من أن كنا نحن الذين نحاول استكشافها في المرحلة السابقة يعتبر الفرصة الأخيرة لاكتشاف الموهوبين والمبدعين أصحاب القدرات في مختلف المجالات.

ولذا فإن إعطاء المراهق الفرصة لإظهار مواهبه وقدراته ليس فقط من أجل اكتشاف وإطلاق قدراته العقلية، بل من أجل إثبات ذاته، ويعتبر من اللحظات المهمة من أجل مراهقة آمنة.

3- النمو العاطفي:

تتميز عواطف المراهق بالحدة والقوة مع سرعة التغير، وهو ما يقلق الكثير من الآباء والأمهات؛ حيث يجدون هؤلاء المراهقين متحمسين لأمر ما ليلا ليصبحوا وقد فقدوا الحماس له، وهم يعبرون عن عواطفهم بحدة قد تصل إلى درجة العنف، ويكون ذلك غالبا لشعورهم بالإحباط نتيجة رغبتهم في إثبات ذواتهم وتحقيق طموحاتهم، والتي تكون قدراتهم دونها، أو تكون العوائق في بيئتهم حائلا دون تحقيقها.

وهم يميلون عاطفيا لجماعة الأصدقاء رغبة منهم في الاستقلال عن جماعة المنزل، ولأنهم يشعرون بتحقيق ذاتهم معهم، وهم يتأثرون عاطفيا، أي أن الخطاب العاطفي يؤثر فيهم أكثر من الخطاب العقلاني، هذا بصورة عامة.

وهم في بداية المراهقة يميلون لأصدقائهم من نفس الجنس، ثم يتطور الأمر إلى ميل للجنس الآخر، ولكنهم لميلهم للمثالية يترجمونه في صورة حب عذري أو أفلاطوني، ولا يميلون على عكس المتصور لإقامة علاقات جسدية، وهم في ذلك أيضا يعبرون عن رغبة في أن يصبحوا كبارا يحبون مثلهم؛ ولذا فإن مقاومة هذه العواطف تؤدي إلى تمسكهم بها كنوع من إظهار التحدي والتمرد في وجه الكبار الذين يرون أنهم يقاومون انضمامهم إلى عالمهم.

وعدم فهمهم لطبيعة ما يشعرون به من ميل فطري نحو الجنس الآخر يؤدي بهم إلى الحيلة والارتباك ما بين رغبتهم في التعبير عن هذا الميل، وشعورهم بالذنب لإحساسهم أن المجتمع يجرم مشاعرهم وأحاسيسهم ولا يكترث بها؛ ولذا فإن رسم حدود العلاقة مع الجنس الآخر بين الزمالة والحب والصداقة من الأمور الضرورية التي تنظم عاطفتهم، وتخرجهم من حالة الحيرة والارتباك.

 4- النمو الاجتماعي:

يصنع المراهق لنفسه عالما خاصا به من الأصدقاء تعبيرا عن خروجه من عالم المنزل، وهو يميل إلى إثبات ذاته بالتحدي والتمرد على الأنماط التقليدية في الملبس والمظهر، فيميل إلى اتباع التقاليع أو كل ما هو غريب، وهو يرفض أي نموذج للسلطة والسيطرة، ويرفض معها كل مظاهر هذا التسلط، وهو هنا يحتاج إلى ذكاء شديد في التعامل للتوفيق بين رغبته في الاستقلال في اتخاذ قراراته وعدم رغبته في الإحساس بوجود أي شخص يفرض عليه رأيه، وبين عدم قدرته العقلية على اتخاذ القرارات المهمة في حياته.

وعلى من يتدخل لإبداء النصح له أن يقدم له العون بحيث يبدو في النهاية وكأنه صاحب القرار، ويسمح له بمساحة من الخطأ في اتخاذ القرار الذي رآه بنفسه، وهذا خير من أن يفرض عليه رأيه، مع عدم لومه إذا ثبت خطأ قراره، أو حدثت أخطاء في التنفيذ، والمراهق يميل للنقد الشديد للأوضاع المحيطة حوله، وهو ما يثير حفيظة الآباء والأمهات، على اعتبار أنه ينقد في حين أن به كثيرا من العيوب التي لا يراها في نفسه، ويستمر هذا الحوار العقيم الذي يبعدهم عن بعضهم، ويزيد الفجوة بينهم، في حين أننا إذا أظهرنا التفهم لما يقوله، والاستماع مع الدعوة -وليس التقريع- إلى المشاركة في تغيير ما يراه، فإننا سنجد المراهق يستجيب؛ لأننا احترمنا ذاته، خاصة إن كان هذا العمل أو التغيير سيجعله يشعر بالانتماء والقدرة على الفعل والتغيير.

وهم يميلون للعمل في جماعة خاصة بهم؛ لأنهم يشعرون أنهم مشاركون في أخذ قراراتها والتفاعل معها، على عكس الكبار الذين ما زالوا يُقصونهم عن تحمل المسئولية بحجة أنهم صغار، وهم يميلون لحب الظهور؛ ولذا فإننا يجب أن نوكل لهم من المهام التي تشبع ذلك فيهم، وتخرج أفضل ما فيهم من طاقات وقدرات.

وبعد أن مررنا بصورة عملية على أهم التغيرات التي تحدث في سن المراهقة، فإن أهم ما نرجوه هو أن يدرك الآباء والأمهات أن ما يرونه من أبنائهم إنما هو من طبيعة المرحلة وليس عرضا أو مشكلة؛ ولذا فإننا نحن الأطباء النفسيين نتحفظ بشكل ملحوظ على تشخيص أي مرض نفسي في هذه المرحلة؛ لأن حدة التغيرات والتفاعلات التي تحدث للمراهق في هذه المرحلة قد تبدو لغير الخبير أو المتخصص مشاكل أو أمراضا، ولكنها هي في الحقيقة المراهقة بحلوها ومرها.

وعندما نشرح للمراهق حقيقة ما يجري بداخله على كل المستويات فإنه يتفهم ما يحدث، وتهدأ كثير من انفعالاته، ويصبح أكثر تكيفا مع واقع يقبله ويتعامل معه بحكمة وفهم بدلا من الرفض والنفور.