طارق رمضان

د.طارق رمضان

السيد المحترم د/ طه جابر العلواني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولا أود أن أشكرك على تعليقك على موضوع “الدعوة إلى وقف تطبيق الحدود”، وأود أن أوضح أنني مذهول -إن لم أكن مصدومًا- بالعنوان “ادعاءات غير مقبولة” وما يليها، من فقرة في تعليقك “أكاذيب مبتدعة ضد الأمة الإسلامية غير مقبول” أين وجدت في دعوتي ما يشير إلى “ادعاءات”، و”أكاذيب ضد الأمة الإسلامية”؟ حتى أنك لم تذكر أمثلة عن هذه الادعاءات، ولا حتى أوردت تفنيدا لها.

وقد أضفت: “وأن أي محاولة لفك الارتباط بيننا وبين الشريعة تعني أن هناك مخططا لتفكيك الهوية والثقافة والأعراف، وهذا ما لا يستطيع مؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أن يقول به أو أن يدعي أننا لا نحتاج للشريعة”، ومرة أخرى: أين وجدت في هذه الورقة ما قد يؤكد ذلك؟.

في الواقع وعلى العكس تماما.. فإن هذه الدعوة تحثنا بوضوح على أن من الضروري أن نتصالح مع المعنى الحقيقي للشريعة، وذلك عن طريق إصلاح ممارستنا لها. وهذه هي الرسالة التي تحويها الدعوة، وفي كل كتبي وأوراقي البحثية.

وقد استطردت قائلا: “إن هناك خلطا لدى بعض الناس بين الشريعة بمفهومها الشرعي الشامل للعبادات والمعاملات والأخلاقيات وبين العقوبات، مما جعل البعض -لجهلهم- يطلقون كلمة الشريعة على العقوبات أو القانون الجنائي؛ فالنظر إلى الشريعة على أنها هي العقوبات هي نظرة قاصرة تدل على قلة فقه وفهم للشريعة”. وبقراءة كلماتك أصابني الذهول؛ لأنك اعتقدت أنني لم أفهم التعريف الأساسي للشريعة، وأنا أتساءل: هل أخذت ما يكفي من وقت لقراءة نص الدعوة بدقة، والذي يشير بوضوح إلى مشكلة خفض الشريعة إلى قانون عقوبات؟ تبدو تعليقاتك غير مرتبطة بالنص.

وأنا لا أتفق مع ما تقوله من “أننا نعيش في واقع لا تطبق فيه الشريعة -تقريبا- في أي مكان من الأرض، وحتى تلك الدول أو الحكومات المحدودة التي تعلن أنها تطبق وتتبنى الشريعة قانونا لها لا تطبق شيئا من هذه العقوبات ولا تنفذه”، موضحا أن “الشريعة كلٌ واحد لا يتجزأ”؛ فإن الحالات القليلة المعروفة من الرجم، والعقوبات البدنية المنفذة على العمال الفقراء من باكستان والفلبين في الدول البترولية دون إجراءات قانونية، والتنفيذ غير العادل (وهي التي تطبق مباشرة باسم الإسلام، وأخرى يقبلها المجتمع بصمت على أنها عقوبة من الإسلام؛ لأنه من المتعارف عليه أن عقوبة الإعدام  ليست ضد المرجعيات الإسلامية) أوليست هذه تطبيقات تضلل المبادئ الإسلامية للعدالة؟ هل يمكن لمعادلتك “لا تطبق تقريبا” أن تبرر معاناتهم وصمتنا؟.

إن إشارتك إلى الجدل حول إمامة المرأة لا يتعلق بأهداف هذه الدعوة، ولا ما تثيره من جدل، ولا أرى العلاقة التي تحاول أن تعقدها بين الموضوعين، فيما عدا أنها تثير رد فعل عاطفيًّا.

وأنت ترى أنه يجب أن أوجه أسئلتي إلى العلماء والدارسين، وأنا قد فعلت ذلك بالضبط على مدار الخمسة أعوام السابقة، وهذا ما أقوم به بالضبط مع هذه الدعوة. أنت تدعي أنه لا يحق لي أن أجيب عن هذه الأسئلة، ولكن يجب على الأقل أن تعلم أنه من حقي أن أسأل عن شرعية الأسئلة التالية التي تعرضها دعوتي:

1 – ما هي النصوص (وما هي درجة الصحة لهذه النصوص) التي تشير إلى العقوبة البدنية والرجم وعقوبة الإعدام في المصادر التشريعية الأساسية للإسلام والتي يطلق عليها المتخصصون الحدود؟ ما هي حدود التفسيرات المحتملة؟ وما هي النقاط التي يوجد فيها خلاف واضح (الاختلاف) في تاريخ القانون الإسلامي وفي العصر المعاصر؟

2 – ما هي الشروط المنصوص عليها في كل عقوبة من العقوبات في المصادر ذاتها وإجماع الدارسين أو من قبل دارسين منفردين على مدار تاريخ القانون الإسلامي والفقه؟ أين الاختلاف في النصوص؟ وما هي الظروف المخففة التي تحددها في بعض الأحيان السلطات الدينية على مدار التاريخ أو في إطار مدرسة فكرية أخرى؟

3 – يعتبر العلماء الإطار الاجتماعي السياسي أحد الشروط الضرورية لتطبيق الحدود. إن أهمية هذا السؤال أنه يتطلب معاملة خاصة (كما يتطلب مشاركة المفكرين وخاصة هؤلاء المتخصصين في علم الاجتماع): في أي إطار يمكن اليوم تطبيق الحدود؟ ما هي الشروط المطلوبة في إطار النظم السياسية وفي تطبيق التشريع العام: حرية التعبير، المساواة أمام القانون، التعليم العام، القضاء على الفقر والعزلة الاجتماعية؟ ما هي في هذا الإطار مناطق الاختلاف بين المدارس القانونية والعلماء؟ وما هي الأسس التي تستند عليها هذه الاختلافات؟

وحتى الآن فيما عدا بعض تعليقات من العلماء لم أر أي إجابة جادة على تساؤلاتي؛ فالبعض رفض الدعوة من منطلق عدم صحة تفسيره لمعناها، وهناك من قام بالإجابة بتجنب الموضوع ككل، أو ببساطة أدلى ببيانات واسعة المدى وعاطفية.

كنت أرغب في بدء حوار.. فهل يوجد من بين العلماء من هو على استعداد لأن يقف ويتحدث ويلتزم بصورة جادة في أن يدخل في حوار نقدي وأمين بدلا من رفض الموضوع برمته؛ لأن هذه الدعوة تأتي من الغرب أو أنها محاولة لتدمير الإسلام؟

وأخيرًا لقد قدمت لي النصح بأن “أدرس الواقع إلى جانب الشريعة لأرى ما هي النواقص التي يجب استكمالها لكي تطبق الشريعة”، وهذا ما فعلته وما أداوم على فعله.

وتقييمي للموقف قد أوردته تفصيلا في العديد من كتاباتي وفي كتابي “الإسلام والغرب وتحديات التحديث” (1995)، وهو عبارة عن دراسة معمقة، وتحليل لغالبية المجتمعات الإسلامية المعاصرة والديناميكيات السياسية الاجتماعية. وأحد النواقص المهمة التي أبرزتها هي تخفيض الشريعة إلى قانون عقوبات وضرورة إصلاح فهمنا لها، وأن ننبذ التطبيقات التي من شأنها أن تغرر برسالتنا. وهذا ما دفعني إلى الدعوة الحالية.

وما يزال عندي أمل في أنه في شرع الرحمن يمكن أن نتحاور عن مغزاها الحقيقي، وهذه أسئلة جادة وضرورية للشخص الذي -كما كتبت- لا يريد أن يدمر الإسلام.

اقرأ في الملف:

مقالات في المنهج:

تعليقات على مقال طارق رمضان:

ردود طارق رمضان:


  مفكر إسلامي مصري – سويسري