نسمع بين الحين والآخر عن أن ممثلة كانت تحجبت ثم خلعت حجابها؛ لأن هذا حرية شخصية، والله قد خلقنا أحرارا !

هكذا يكون المبرر، بل وصل الأمر إلى بعض النساء اللائي كن ملتزمات بدينهن، تحت دعوى أنه ( ليس هناك آية توجب الحجاب)، وأنه عادة عربية أو عادة يهودية!!

بل إني أعرف عددا من الأخوات كن يعملن في مؤسسة إعلامية دعوية خلعن الحجاب!

في عام 2005م دعيت من قبل المركز الثقافي الألماني ( جوته) بالقاهرة، مع عدد من الإخوة لتجربة فريدة، حول ( الإسلام والغرب) مع بعض من الألمان، لم يكن مؤتمرا تقدم فيه الأوراق البحثية كما العادة، بل هو حوار فكري اجتماعي، وقد نوعوا من المشاركين،  فهناك متخصص في الأديان من الطرفين، ومتخصص في الإعلام، ومتخصص في علم النفس وعلم الاجتماع، وهناك امرأة تمثل الجانب النسائي في كلا الفريقين، وكنا نتناول الأسئلة المتبادلة بين الإسلام والغرب، ورغم اعتراضي على العنوان، فالإسلام يقابله المسيحية، وأن الغرب يقابله الشرق، لكن الألمان أصروا على هذا العنوان، خاصة أن معهد ( جوته الألماني) هو من يتكفل النفقات على أرض مصر، ومن يدفع له الكلمة..

وكان من بين الحضور امرأة ألمانية عضو في البرلمان الألماني، وكانت مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وكان من أكثر الأسئلة التي تهتم بها، وتسأل كل واحد منا نحن الفريق المسلم عن موقفه من الحجاب، وماذا لو أن ابنته لم ترد ارتداء الحجاب، هل سيجبرها على ارتدائه أم يترك لها الحرية كي تكون متبرجة، وكانت تأخذ العهد على كل واحد منا أن لا يخبر عن سؤالها، وكنتُ آخر من تكلمت معي، فسألتني: ماذا لو أن ابنتك لم ترد ارتداء الحجاب؟

فقلت لها: أولا الحجاب ليس فرضا مني ولا من أحد من المسلمين، إنه فرض من الله تعالى على من بلغت من الفتيات، ونحن نُفهِم بناتنا أن هذا الأمر من الله وليس منا، وأنها أمة الله تعالى، فعليها أن تطيع أمر الله تعالى وليس أمري.

الأمر الآخر: أننا نحن المسلمين باعتبارنا أولياء أمور، إن لم نقنع بناتنا بالحجاب، فلا معنى له.

ثالثا: سألتها، لقد قدمتِ عن طريق مطار القاهرة، وتجولتِ في شوارع القاهرة، هل رأيت نساء متبرجات لا يلبسن الحجاب؟ قالت: نعم. قلت: إذن أين  هذا الإجبار الذي يتكلم عنه الغرب في أننا نجبر بناتنا ونساءنا على ارتداء الحجاب؟!

فقالت المرأة الألمانية: استغربت، إن إجابتكم جميعا واحدة، رغم أنكم لم تخبروا بعضكم بالإجابة، ثم أردفت لي قائلة وهي في غاية التأثر: أنا كنت من أشد المعارضات للحجاب، لكني أعِدكم أن أدافع عنه، لقد صور لنا أن حجاب المرأة المسلمة إجبار لا اختيار، ثم كنا نظن أن الحجاب يغطي عقل المرأة قبل أن يغطي شعر رأسها، ثم إني هنا – والكلام لها- رأيت عددا من الفتيات المسلمات المحجبات على درجة عالية من الثقافة، يتكلمن اللغة الألمانية في مصر، فلم يمنعهن الحجاب من الحضارة والثقافة، وكانت معنا بعض الأخوات مع بعض الإخوة للترجمة بيننا وبين الألمان…

وفي إحدى رحلاتي إلى الجمهوريات الروسية، مع بعض مسؤولي المشيخة الإسلامية قابلنا فتاة مسيحية قد أسلمت، فلما سألناها عن سبب إسلامها، قالت: أنا كنت من أسرة مسيحية متدينة، وكان معنا مسلمون في منطقتنا التي يغلب عليها المسيحية، لكن أحدا منهم لم يكلمني يوما ما عن الإسلام..

وفي ذات يوم، وقعت عيني على كتاب باللغة الروسية ملقى على الأرض، فأخذته، فإذا هو يتكلم عن الإسلام، فما أكملت قراءة الكتاب عن الإسلام حتى أسلمت، وارتديت الحجاب فورا، ودخلت في معركة مع أهلي، لكني ثابتة على الإسلام..

أستغرب كيف يسوق الله تعالى قلوب بعض الناس ممن لم يولدوا مسلمين إلى الإسلام، وكيف ترتدي المرأة الحجاب بمجرد دخولها الإسلام ولم تعرف عن الإسلام إلا قليلا، فتقبل بقلبها وروحها على دين ربها راغبة فيه، تاركة الأهل والغنى، إلى الإسلام ولو بقيت فقيرة..

وكيف يصرف الله تعالى قلوب بعض النساء المسلمات عن فريضة الله تعالى لهن في الحجاب، وهي التي ولدت مسلمة ، في بيت مسلم، من أبوين مسلمين، وعائلة مسلمة، ومجتمع مسلم، ودولة مسلمة، وربما كانت تقرأ القرآن، ولكن الأمر كما قال الله تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) {الحج: 46}.

إن الحجاب لو لم يكن فرضا من الله تعالى في كتابه وعلى لسانه رسوله صلى الله عليه وسلم، لكان فضيلة لا تذهل عنه كل فتاة وامرأة عاقلة..

إن أوروبا يوم أن بدأت حضارتها ، كانت النساء فيها محجبات، بل كانت الأميرات منتقبات، فالحجاب دليل على الرقي والسمو والأخلاق..

لقد أعجبني أحد الدعاة المسلمين الذين يعيشون في الغرب، وكان قد زارنا لإعطائنا دورة في الرد على الشبهات، وكان من ضمنها الحديث عن الحجاب، فكان يقول: حين أتكلم عن الحجاب في أوروبا وأمريكا لا أتحدث عن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ولا عن فضيلته في الإسلام، باعتباره من الأعمال الصالحة، لكني آتي لهم بصور النساء اليهوديات الملتزمات، فهن يظهرن محجبات، ثم آتي لهم بصورة (مريمالعذراء) و(الأم تريزا)، وأعرض صورة صورة، ثم أسألهم: من هذه؟ فيقولون كذا، ومن هذه، فيقولون كذا، ثم أعرض لهم صورة فتاة مسلمة محجبة، وأسألهم: من هذه؟ فيقولون: فتاة مسلمة. فأقول لهم: النساء اليهوديات محجبات، والراهبات في النصارى محجبات، والعذراء كانت محجبة، والأم تريزا كانت محجبة، إنني لا أقول لكم: لماذا تحاربون الحجاب في الإسلام، ولكني أتساءل: لماذا لا يرتدين النساء عندكم الحجاب؟!! إن الحجاب فريضة في اليهودية والمسيحية قبل مجيء الإسلام، الفارق أن نساءنا التزمن أوامر الله، ونساؤكم عصين الرب في أمر الحجاب..

إنه مسلك عقلي رائع في حجاج أهل الكتاب من اليهود والنصارى في الحديث عن الحجاب، بل لعله يقرع آذان نساء المسلمين اللائي خلعن الحجاب، أو على وشك أن يخلعنه..

وفي إحدى المؤسسات الإعلامية التي عملتُ بها، كانت معنا زميلة فاضلة، الكل يشهد لها بالأخلاق والجدة والأدب وجودة العمل، لكنها كانت متبرجة… فجاءني أحد الإخوة وقال لي: لو كلمت فلانة، فأنت باحث شرعي،  فإننا نعرف عنها أنها تصلي، وتصوم كل اثنين وخميس، وتقيم الليل، لكنها لا ترتدي الحجاب..

فجلست معها وقلت لها: أعرف أنك على دين وخلق، لكن ما الذي يمنعكِ من ارتداء الحجاب؟ قالت: أخشى أن لا أكون صورة جيدة للمحجبة، لأنني أرى كثيرا من المحجبات لسن قدوة للحجاب. فقلت لها: هذه وسوسة من الشيطان، إن الحجاب أمر الله تعالى وليس أمرنا، والفتاة المسلمة التي تحب الله تعالى عليها أن تطيعه ولو كان في شيء تكره، وعليك أن تخاطبي الله تعالى قائلة: يارب أفعله لأجلك وإن كنت أكرهه، فالله تعالى يقول: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) {الأحزاب: 36}، وإني والله موقن أن الله لن يتركك هكذا دون حجاب مع أخلاقك وتدينك، ولكن ” أوقفي نزيف السيئات”، والأمر بينك وبين ربك… فما مرت خمسة عشر يوما حتى أنعم الله عليها بارتداء الحجاب…

إن الحكم على المسلمة لا يكون من خلال الحجاب وحده، وقد تكون هناك بعض المتبرجات أفضل من كثير من المحجبات في كثير من الأمور، لكن الإشكال هنا: إن كانت الفتاة أو المرأة طيبة القلب خلوقة، فلماذا لا تكمل أخلاقها بارتداء الحجاب الذي أمرها به ربها…

إن عظمة الإسلام أنه حين أمر بالستر فيما يتعلق بثياب المرأة، لم يفرض عليها ثيابا معينة، ولا لونا معينا، بل ترك ذلك لأعراف الناس، وإن الله تعالى حكيم في شرعه، لم يحرم شيئا إلا لما فيه من الضرر والفساد، وإن لم يعرفه الإنسان، لكنه بعلمه أن الله هو الخبير العليم، يوقن أن الله تعالى لا يحرم على عباده شيئا إلا حفاظا لهم وللمجتمع مما قد يحصل من الأضرار والمفاسد… كما أن الله تعالى جعل حجاب المرأة أمام الأجانب فقط وليس أمام المحارم، فالمرأة في بيتها أو مع محارمها أو مع النساء عورتها ما بين السرة والركبة، إنما ترتدي الحجاب إن خرجت أو جاء بعض المحارم، وما سوى هذا، فهي حرة.

ثم إنه كما قال القائل: ” إن المحب لمن يحب مطيع”، فهل تطيع المرأة ربها وتدلل على حبها لله تعالى، أم تجري وراء شهوات وشبهات لا نفع من ورائها، وإني أرى خلع الحجاب زيغ قلب وعمى بصيرة وشتات أمر، فعلى كل من خلعت حجابها أن تداوي قلبها المجروح بالبعد عن جناب ربها وأمره، فإن الرجل عبد لله، وإن المرأة أمة لله، وعلى العبد والأمة أن يطيعا السيد سبحانه، وما أجمل وصف الله لإبراهيم- عليه السلام- ( إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) {البقرة: 131}.

فهل نسلم قلوبنا ونفوسنا لرب العالمين؟ أم نسلمها لشهواتنا وأهوائنا ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) {القصص: 50}. إن الحرية الحقيقية هي وهبنا الله إياها، وليست الحرية الخروج عن أمر الله تعالى، شتان ما بين حرية الرحمن وحرية الشيطان.