هيام السيد

   الفن للفن فقط تلك كانت شعارات عصور النهضة الفنية في جميع الدول الأوربية وعليها نشأت كل المدارس الفنية التي أثارت ثورة ونهضة كبري في تلك العصور، ولكن الفن الإسلامي الذي كان له السبق دائما كان له شعار أخر وهو الفن في خدمة الحياة أي أن الفن هو فن تطبيقي يشترك في كل جوانب الحياة فيزين المنازل بعمارة إسلامية رائعة، ويزخرف الأواني والأثاث وكل ما يستخدمه الإنسان في مختلف أوجه الحياة.
وتتميز الفنون الإسلامية بأن هناك وحدة عامة تجمعها بحيث يمكن أن تتميز أي قطعة أنتجت في ظل الحضارة الإسلامية في أي قطر من أقطار العالم الإسلامى، ولعل هذا السر من أسرار تفوق الحضارة الإسلامية وقدرتها الفائقة على صبغ المنتجات الفنية في جميع الأقطار بصبغة واحدة، على أن هذه الوحدة لم تمنع من وجود طرز إسلامية تتميز بها الأقطار الإسلامية المختلفة في عصور تطورها الفنى.
ويمكننا أن نقول بوجه عام: إن الطراز الأموي ساد العالم الإسلامي أولاً متأثرًا بالفنون المحلية، ثم ساد الطراز العباسي منذ قيام الدولة العباسية عام 750م، وعندما ضعفت الخلافة العباسية منذ القرن السابع الميلادي سادت طرز أخرى إقليمية فكان هناك الطراز الأسباني المغربي في شمال أفريقيا والأندلس، وطراز مصري سوري في مصر وسوريا، وطراز عثماني في تركيا والبلاد التي كانت تتبعها، ثم طراز هندي في الهند.. ومن واجبنا أن نكون على معرفة بهذه الطرز الفنية، وكيف تميزت بميزات خاصة في إطار الوحدة الفنية الإسلامية الكبرى.

الطراز الأمَـــوينشأ الفن الإسلامي في عصر بنى أمية، وكان الطراز الأموي – الذي ينسب إليهم- أول الطرز أو المدارس في الفن الإسلامى، فلما جاءت الفتوحات العربية، وامتدت الدولة الإسلامية واتسع نطاقها، واختلط العرب بأمم ذات حضارة زاهية أثروا في هذه الأمم كما تأثروا بهم.
اتخذ بنو أمية مدينة دمشق عاصمة للعالم الإسلامي، وكانت السيادة الفنية في عصرهم للبيزنطيين والسوريين وغيرهم من رجال الفن والصناعة الذين أخذ عنهم العرب الفاتحون، وقام على أكتاف الجميع الطراز الأموي في الفن الإسلامي، وبذلك فهو طراز انتقال من الفنون المسيحية في الشرق الأدنى إلى الطراز العباسي، على أن هذا الطراز كان متأثرًا إلى حد ما بالأساليب الفنية الساسانية التي كانت مزدهرة في الشرق الأدنى عند ظهور الإسلام.
وهكذا كانت العناصر الزخرفية لهذا الطراز مزيجًا من جملة عناصر ورثها عن الفنون التي سبقته، فبينما تظهر فيه الدقة في رسم الزخارف النباتية والحيوانية، ومحاولة تمثيل الطبيعة وغير ذلك مما امتازت به الفنون البيزنطية، نجد تأثير الفن الساسانى في الأشكال الدائرية الهندسية وبعض الموضوعات الزخرفية الأخرى كرسم الحيوانين المتقابلين أو المتدابرين تفصلها شجرة الحياة المقدسة أو شجرة الخلد.


الطراز العباسي
هو الطراز الثاني من الطرز الإسلامية، وينسب إلى الدولة العباسية التي قامت في العراق، فانتقلت السيادة في العالم الإسلامي منذ ذلك الحين إلى العراق، فكان من الطبيعي أن يتخذ الفن الإسلامي اتجاهًا جديدًا، لأن الأساليب الفنية الإيرانية غلبت عليه الطابع الإيراني على الأدب والحياة الاجتماعية.
والواقع أن هذا الطراز، الذي يعتبر أول مرحلة واضحة في تاريخ الفن الإسلامي أخذ الكثير من أصوله عن الفن الساساني، كما أن الحفائر التي أجريت بمدينة سامرا -التي كانت عاصمة للخلافة بين عامي 222 و276 هـ (836 – 889م)- كان لها كل الفضل في الكشف عن منجزات هذا الطراز الذي بلغ أوج عظمته في القرن الثالث الهجري (9م) وظهر أثره في الإنتاج الفني في مختلف الأقطار الإسلامية في القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة (9-10م).
ويمتاز الطراز العباسى، كما تمتاز الأساليب الفنية المأخوذة عنه ومنها الطراز الطولوني في مصر، بنوع من الخزف له بريق معدني كانت تصنع منه آنية يتخذها الأغنياء عوضا عن أواني الذهب والفضة التي كان استعمالها مكروها في الإسلام لما تدل عليه من البذخ والترف المخالفين لروح الدين الإسلامي. هذا فضلاً عن استخدام الجص بكثرة في تهيئة الزخارف حتى أصبح من المواد ذات الصدارة في هذا الطراز الإسلامي. والتحف التي تنسب إلى هذا الطراز متأثرة إلى حد ما بالأساليب الفنية الساسانية، وأكثر ما يظهر هذا في التحف المعدنية وفى المنسوجات التي كانت تصنع في العراق وإيران في القرنين الثاني والثالث الهجريين (8،9م).
كما أن طريقة حفر الزخارف في الخشب أو الجص اتخذت طابعًا خاصًا كان وقفًا على هذا الطراز دون غيره وهى طريقة الحفر المائل أو منحرف الجوانب.
والخلاصة أن الموضوعات الزخرفية التي تتمثل في هذا الطراز يظهر فيها التحوير والتنسيق والبعد عن الطبيعة وتنحصر عناصرها في الأشرطة والجدائل والأشكال الحلزونية والخطوط الملتوية وكلها مرسومة بوضوح وحجم كبير.


الطراز الإيــــرانيكانت إيران منذ الفتح الإسلامي في القرن الأول الهجري (7م)، في طليعة الأمم الإسلامية عناية بصناعة التحف النفيسة.
وعندما أتيح للسلاجقة في القرن 5 هـ (11م) أن يستقروا في إيران، ظهر طراز سلجوقي، امتاز بالإقبال على استخدام الكائنات النسخية المستديرة، فضلا عن الكتاب الكوفية التي كانت تجمل بالفروع النباتية. وينسب إلى العصر السلجوقى، أولى مدارس التصوير في الإسلام، وأصبحت خراسان ومدينة هراة مراكز ممتازة لإنتاج التحف والأواني من النحاس والبرونز المكفت بالفضة والمزدانة بأشرطة من الزخارف الكتابية، وقد شاع في العصر السلجوقي، استخدام بلاطات الخزف في تغطية الجداران.
وامتازت إيران في الفنون الإسلامية بالمحافظة على قسط وافر من أساليبها الفنية القديمة، ومن ميل إلى رسوم الكائنات الحية والزخارف النباتية الرشيقة، ومن ثم يمكن اعتبار هذا العصر من الناحية الفنية أقوى العصور في إيران على الإطلاق.
وذاع صيت إيران في إنتاج المصاحف الفنية الفاخرة، وتذهيب صفحاتها الأولى والأخيرة، فضلا عن رؤوس السور وعلامات الأحزاب، وقد نجح المذهبون في دقة مزج الألوان، وإتقان الرسوم الهندسية والفروع النباتية اتقانًا يبدو فيه التوازن والتماثل، وقد كان لازدهار فن النقش والتصوير صداه في سائر ميادين الطراز الصفوى، فامتد نفوذ المصورين إلى رسوم السجاد والمنسوجات والخزف في القرن 10-11هـ (16-17م)، فأصبحنا نرى السجاجيد الثمينة، ذات الألوان الفنية والرسوم المختلفة، التي تشبه رسوم المخطوطات. كما ظهرت أنواع من الخزف ذي البريق المعدني، أما التحف المعدنية في الطراز الصفوي، فقد غلبت عليها رسوم الفروع النباتية والصور الآدمية والحيوانية.

الطراز الفـــاطميفتح الفاطميون مصر سنة 358 هـ (969م) واتخذوها مقرًّا لخلافتهم فقام على يدهم الطراز الفاطمي وازدهر في مصر والشام.
وقد وفق الفاطميون في دقة التصوير والحركة دقة لم يصبها الفنانون في مصر من قبلهم، كما كثر رسم الإنسان والحيوان على التحف التي ترجع إلى عصرهم، وازدهر فن التصوير، ولعل خير النماذج في فن التصوير والنقوش المرسومة على الجص التي وجدت على جدران الحمام الفاطمي بمصر القديمة.
وللتحف الخزفية الفاطمية لمعان وبريق أخاذ، أما تغير ألوانها فمرجعه البريق المعدني الذي تمتاز به، أما الزجاج فلم تكن زخارفه في بداية العصر الفاطمي تختلف كثيرًا عن زخرفته في عصر الطولونين ولكنها أخذت تتطور بعد ذلك في خطوات سريعة ليكون لها الطابع الفاطمي الخاص، ومن أرق المصنوعات الزجاجية الفاطمية وأكبرها قيمة فنية الزجاج المزين بزخارف ذات بريق معدنى. وقد استخدم الفاطميون البللور الصخرى فى عمل كئوس وأباريق، وعلب وصحون، وفنجانين وأطباق، وقطع شطرنج وأختام وزجاجات متنوعة الأشكال، وكانت تزين بزخارف مقطوعة قوامها حيوانات أو طيور أو فروع نباتية مرسومة بدقة وانسجام فضلاً عن كتابات دعائية.
أما المنسوجات الفاطمية فقد كانت عناية الخلفاء بها عظيمة، كما أصاب النساجون أبعد حدود التوفيق في توزيع ألوانها واختيارها حتى صارت منتجاتهم آية في الجمال والإتقان، كما كان ابتكارهم عظيما في الرسوم والزخارف النباتية التي صورت بدقة سواء في تفرعها أو التواءاتها، وقد كانت هذه المنسوجات ترسم في أشرطة أو داخ جامات. وقد كانت هذه الأشرطة تنحصر أحيانًا بين سطرين في الكتابات الكوفية أحدهما عكس الأخر، ثم أخذت هذه الأشرطة تتسع وتزداد عددًا حتى أصبحت تكسو سطح النسيج كله.
أما الخشب فلدينا من تنوع الزخارف وجمال الصناعة، ما لم يصل إليه الفنانون بعد ذلك، وحسبنا محراب السيدة رقية والأبواب الفاطمية الضخمة المزينة برسوم آدمية وحيوانية وطيور، وقد تحفر الرسوم أيضا على مستويين مختلفين، وهو أسلوب يدل ولا شك على براعة الفنان ومهارته.

الطراز المملــوكييعتبر عصر المماليك 648-923هـ (1240-1517م) من أزهى العصور في تاريخ الفنون الإسلامية في مصر، فقد كان الإقبال عظيما على صناعة التحف النفيسة كما طغت الثروة الفنية على منتجات هذا الطراز من مختلف المواد.
وقد كان لصناعة التحف النحاسية المكفتة بالذهب والفضة منزلة خاصة لدى المماليك، وقد وصل إلينا من هذا العصر تحف معدنية عظيمة من أبواب وكراسي وصناديق ومقلمات، وتمتاز بما يبدو عليها من خطوط نسخية تشير إلى اسم السلطان وألقابه أو إلى العبارات الدعائية التي يسجلها الصانع على التحفة المقدمة إلى الأمير أو السلطان، هذا إلى جانب بعض الزخارف الهندسية متعددة الأضلاع ومن بينها أطباق نجمية مملوكية.
وأبدع ما وصل إليه صناع الزجاج المسلمون في العصر المملوكي يتجلى في المشكاة المموهة بالمينا، وأشكال هذه التحف الزجاجية وأحجامها وهيئاتها.
وذاعت في العصر المملوكي زخرة الحشوات بالتطيعم، وذلك بإضافة خيوط أو أشرطة رفيعة من العاج أو الخشب النفيس كانت تكسى بها التحف المختلفة، كالأبواب والمنابر، هذا فضلا عن ازدهار صناعة الشبكيات من الخشب المخروط التي كانت تستعمل فى صناعة المشربيات والدكك والكراسى.
ومن الصناعات الدقيقة التي حذقها الفنانون في عصر المماليك صناعة الفسيفساء الرخامية وتتكون من مكعبات صغيرة من الرخام مختلفة الألوان وتعشق في الأرضية على هيئة الأشرطة أو المعينات أو المثلثات أو الخطوط المتقاطعة والمتشابكة، وكان أكثر استعمالها في المحاريب والوزارات بالمساجد.
وازدهر في عصر المماليك الخط النسخ واحتل مركزًا ساميًا وصار من أهم العناصر الزخرفية على التحف من معدن وخزف وعاج ونسيج، كما استخدموه في كتابة المصاحف المملوكية التي كانت تكتب للسلاطين لتوقف بأسمائهم في المساجد.

الطراز المغــــربييبدأ الطراز المغربي الصحيح في الأندلس والمغرب على يد دولة الموحدين، ويلاحظ أن الزعامة الثقافة في العالم الإسلامي المغربي كان مركزها في الأندلس في عصر الدولة الأموية الغربية وفى عصر ملوك الطوائف، ثم انتقلت هذه الزعامة إلى مراكش في نهاية القرن 11م.
ومن أبدع العمائر التي خلفها لنا هذا الطراز قصر الحمراء بغرناطة الذي يعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي، ويمتاز بجمال مبانيه ورشاقة أعمدته ذات التيجان المزخرفة بالمقرنصات، والجدران المغطاة بشبكة من الزخارف الجصية والكتابات الجميلة.
ومن المنتجات الفنية التي ازدهرت في الطراز المغربي تجليد الكتب وصناعة التحف الجلدية عامة، أما صناعة الخزف فقد ازدهرت في الطراز المغربي أيضًا.
ويعتبر الطراز المغربي أقرب الطرز إلى الطراز المملوكي.

الطراز التــركيسقط السلاجقة في القرن 8هـ/ 14م، وآل الحكم في آسيا الصغرى إلى آل عثمان الذين استطاعوا الاستيلاء على القسطنطينية سنة 857هـ /1453م، ولعل خير ما أنتج الترك من أنواع الفنون تظهر واضحة فيما خلفوه من تحف الخزف والقيشانى والسجاد والأقمشة الحريرية والقطيفة والمخطوطات.
أما الخزف التركي فيمتاز بألوانه الجميلة وما فيه من رسوم الزهور والنباتات، أما السجاجيد التركية فهي تعد بحق من أبدع الفنون الشرقية، والتي تمتاز بالزخارف الهندسية البحتة، وسجاجيد الصلاة الصغيرة النفيسة ويمتاز معظمها برسم محراب في أرض السجادة.

الطراز الهنــدييعتبر الطراز الهندي أقرب الطرز إلى الفن الفارسي، وقد تبلورت شخصية الطراز الهندي اعتبارا من القرن السادس عشر، وأصبح له طابع مميز وظواهر معمارية خاصة، أما التصوير فقد امتاز بهدوء الألوان والقرب من الطبيعة ورسم الصور الشخصية، وتمتاز العمائر الهندية باستخدام العقود الفارسية، والمآذن الأسطوانية، والقباب البصلية، والزخارف الدقيقة.
وهكذا وعلى مر كل تلك العصور نجد أن الفن الإسلامي كان يتميز دائمًا بأنه فن يخدم الحياة في كل أساليبه وطرقه، وأنه خلق لأجل متعة الإنسان المسلم، ولأجل تذوقه للقيم الجمالية أينما كان، ولهذا ظلت الفنون الإسلامية باقية معنا حتى يومنا هذا نستخدمها في حياتنا ونتمتع بما بقي من آثارها السابقة من عمائر وتحف وأوانٍ ذات قيم جمالية وفنية عالية
اقرأ أيضا:
– نقاط فوق الحروف
– فنون إسلامية.. العين تسمع.. والأذن ترى..!!