شروط وجوب الحج التي توجب على المكلفين الحج، ومنها شروط وجوب عامة تشمل الرجال والنساء على سواء، ومنها شروط وجوب خاصة تسري على المرأة وحدها دون غيرها، فلا يجب عليها الحج بدونه.

وأما شروط وجوب العامة لكل من يريد الحج أو العمرة الواجبة ، فإنه يشترط لوجوب الحج ما يلي:

-الإِسلام: فلا يجب الحج على غير مسلم.

-البلوغ: لأن الحج لا يجب على الصبي قبل سن البلوغ.

-العقل: فالمجنون لا يجب عليه الحج. وهذه الشروط الثلاثة عامة في كل التكاليف الشرعية.

– الاستطاعة: وتتحقق بالقدرة الجسدية والمالية، وأن يملك نفقات السفر، ونفقات من يعول في غيابه.

ولكن لا تكفي تلك الشروط وحدها، بل يضاف إليها بالنسبة للمرأة شرطان: (الأول): أن تخرج للحج مع زوجها أو مع محرم، و(الثاني) ألا تكون معتدة من طلاق أو وفاة.
وعلى هذا نقسم هذا المبحث إلى مطلبين:
المطلب الأول:أن يكون معها زوجها أو ذو رحم محرم منها.
المطلب الثاني:ألا تكون معتدة من طلاق أو وفاة.


أن يكون معها زوجها أو ذو رحم محرم منها

أقوال الفقهاء في هذا الشرط:
أولاً: قال الشافعية: لا يجب الحج على المرأة إلا إذا وجدت من يخرج معها للحج من محرم لها أو زوج أو نسوة ثقات، فأي هذه الثلاثة وجد لزمها الحج، وإن لم يكن شيء من الثلاثة لم يلزمها الحج، لأن الشرط عند الشافعية لوجوب الحج على المرأة حصول الأمن لها على نفسها، وهذا الأمن يحصل لها بمصاحبة الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات الجامعات لصفات العدالة، وعلى هذا لو وجدت امرأة واحدة ثقة تسافر معها للحج لم يلزمها الحج، ولكن يجوز معها الحج.

وقال بعض الشافعية: يلزمها الحج بوجود نسوة ثقات أو امرأة واحدة ثقة، وقد يكثر الأمن ولا تحتاج إلى أحد، بل تسير وحدها في جملة القافلة وتكون آمنة.

ولكن المشهور من نصوص الشافعي وهو المذهب عند الشافعية أو جمهورهم هو القول الأول، أي لا يجب الحج على المرأة إلا بوجود الزوج معها أو المحرم أو النسوة الثقات، ولكن يجوز للمرأة أن تخرج لأداء حجة الإسلام، أي فريضة الحج، مع المرأة الثقة، وكذا يجوز أن تخرج وحدها للحج إذا أمنت وكانت الطريق آمنة مسلوكة، وعليه حمل ما دل من الأخبار على جواز السفر وحدها، وهذا الجواز في فريضة الحج، أما في حج التطوع فلا بد لها من زوج أو محرم، ولا تكفي رفقة النساء على الصحيح في مذهب الشافعية.

ثانيًا: وقال المالكية: يشترط لوجوب الحج على المرأة أن تجد محرمًا من محارمها يسافر معها للحج، أو يخرج معها زوجها إن كانت ذات زوج، ويقوم مقام المحرم الرفقة المأمونة في سفر الفرض فقط. والرفقة المأمونة قد تكون من النساء فقط، أو من الرجال فقط، أو من الرجال والنساء.

وقال الظاهرية: المرأة التي لا زوج لها وليس لها ذو محرم يحج معها فإنها تحج ولا شيء عليها، فإن كان لها زوج ففرض عليه أن يحج معها، فإن لم يفعل فهو عاصٍ لله تعالى، وتحج هي دونه وليس له منعها من حج الفرض، ولكن له منعها من حج التطوع.

وقال الحنابلة: لا يجب الحج على المرأة التي لا محرم لها ولا زوج، وقد نص على ذلك الإمام أحمد، فقد قال أبو داود: قلت لأحمد: امرأة موسرة لم يكن لها محرم هل يجب عليها الحج ؟ قال: لا. وعن أحمد: المحرم من شرائط الأداء لا الوجوب، وعلى هذا: من فاتها الحج بعد إكمال شرائط الوجوب بموت أو بمرض لا شفاء منه أخرج من مالها ما يحج به عنها. ولكن المذهب عند الحنابلة هو الأول، أي أن وجود المحرم -أو الزوج- من شرائط الوجوب، واحتجوا لمذهبهم بجملة من الأحاديث الشريفة التي سنذكرها.

وقال الحنفية: يشترط لحج المرأة أن يكون معها زوجها أو محرم لها، فإن لم يوجد أحدهما لا يجب عليها الحج، واحتجوا بجملة أحاديث سنذكرها فيما بعد، كما احتجوا بأن حجها بدون المحرم أو الزوج يعرِّضها للفتنة، وهذا ضرر بها، والضرر مرفوع شرعًا.

مناقشة الأقوال وأدلتها:

أولاً: من قال: تحج المرأة وحدها، ولا يشترط لوجوب الحج عليها وجود الزوج أو المحرم احتج أو احتج له بحديث عدي بن حاتم الذي جاء فيه أن “الظعينة سترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة…” كما احتجوا أو احتج لهم بالقياس على من أسلمت في دار الحرب، أو تخلصت من أسر الكفار فإن لها الخروج إلى دار الإسلام وحيدة.

الجواب على احتجاجهم بحديث عدي:والجواب على هذا الاحتجاج أن حديث عدي حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري في “صحيحه” في باب علامات النبوة في الإسلام، وقد جاء فيه: عن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة. ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال –صلى الله عليه وسلم-:” يا عدي، هل رأيت الحيرة؟” قال عدي: لم أرها وقد أنبئت عنها. قال -صلى الله عليه وسلم-: “فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله”.

قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله. ولكن يردّ على هذا الاستدلال بهذا الحديث أنه يدل على وقوع ذلك، أي على سفر المرأة وحدها إلى الحج، ووجوده في المستقبل، ولا يدل على جوازه، فضلاً عن عدم دلالته على وجوب الحج على المرأة التي تستطيع السفر للحج وحدها لعدم وجود الزوج أو المحرم معها. ولكن أجيب على هذا الردّ بأن ما جاء في هذا الحديث الشريف هو خبر في سياق المدح، وحصول رفع منار الإسلام في المستقبل، فيحمل ما ورد فيه على جواز سفر المرأة وحدها، وليس على مجرَّد وقوع هذا السفر في المستقبل. ولكن الأولى -كما يقول الشوكاني– حمل ما ورد في هذا الحديث على وقوع ذلك لا على جوازه جمعًا بينه وبين الأحاديث الشريفة التي تنهى عن سفر المرأة وحدها بدون محرم أو زوج.

أما احتجاجهم بالقياس على من أسلمت في دار الحرب، وأن لها الخروج إلى دار الإسلام وحدها، وكذلك الأسيرة المسلمة إذا تخلَّصت من أسر الكفار أن لها الخروج إلى دار الإسلام وحدها، وبالتالي.. يجوز للمرأة أن تخرج وحدها إلى الحج، هذا الاحتجاج يرد عليه أنه قياس مع الفارق، لأن خروج المرأة المسلمة وحدها إلى دار الإسلام في هاتين الحالتين هو خروج للضرورة، فلا يصح أن يقاس عليه خروج المسلمة للحج في حال السعة والاختيار، ولأن الأسيرة ومن أسلمت في دار الحرب إنما تدفعان بخروجهما وحيدتين ضرر بقائمها بين الكفار بتعرضهما للفتنة أو الاعتداء على عرضهما، فجاز لهما دفع هذا الضرر بتحمل ضرر السفر لوحدهما، وهو ضرر مظنون، وليس هو مثل ضرر بقائهما في دار الكفر. أما في السفر إلى الحج وحدها ففيه ضرر محتمل تتحمَّله المرأة دون دفع أي ضرر أصلاً. ثم إن الفقهاء اختلفوا في الحج هل هو على الفور أو على التراخي، مما يجعل تأخير سفرها حتى يوجد المحرم أو الزوج أولى من سفرها وحدها.

أما من قال بوجوب الحج على المرأة بوجود امرأة ثقة تحجّ معها فإن حجته -كما يبدو-: حديث عدي، وخروج الأسيرة المسلمة وحدها من دار الحرب إلى دار الإسلام، وقد أجبنا على هذين الدليلين. كما قد يحتجّ لأصحاب هذا القول بأن المنظور إليه في سفر المرأة هو حصول الأمن لها، ولهذا اشترط لسفرها أن يكون معها زوج أو محرم، فإذا حصل الأمن للمرأة بسفرها مع امرأة ثقة فقد حصل المقصود من شرط وجود الزوج أو المحرم معها، فيجب عليها الحج لتوافر شروط وجوبه. ولكن يرد على هذا الاحتجاج أن الأمن -عادة- لا يحصل للمرأة بمصاحبة امرأة واحدة، وإنما يمكن أن يحصل برفقة نساء ثقات، وبالتالي لا يجوز إيجاب الحج على المرأة بوجود امرأة واحدة ثقة تسافر معها للحج.

واحتج الظاهرية لمذهبهم في عدم اشتراط وجود المحرم أو الزوج لوجوب الحج على المرأة، احتجوا بقوله تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً). ففرض الحج واجب بنص هذه الآية، فمتى كانت المرأة مستطيعة لزمها هذا السفر الواجب للحج دون اشتراط وجود المحرم أو الزوج.

أما الأحاديث التي نهت المرأة عن السفر إلا مع زوج أو ذي رحم محرم فهذه الأحاديث عامة لكل سفر، فيجب استثناء الأسفار الواجبة منه، والحج سفر واجب، واستثناؤه من جملة النهي من سفر المرأة بدون زوج أو محرم.
والجواب على احتجاج الظاهرية أن أحاديث نهي المرأة عن السفر إلا بزوج ومحرم لا تعارض الآية الكريمة: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)؛ لأن هذه الأحاديث بيَّنت أن وجود المحرم أو الزوج في حق المرأة من جملته الاستطاعة التي هي شرط لوجوب الحج. ولا يقال: إن السنة النبوية الشريفة بيَّنت أن الاستطاعة على الحج تكون بملك الزاد والراحلة دون اشتراط وجود الزوج أو المحرم للمرأة، لأنا نقول: إن أحاديث النهي عن سفر المرأة إلا مع زوج أو محرم تضمَّنت اشتراط وجود الزوج أو المحرم مع وجود الزاد والراحلة بالنسبة لسفر الحج، وهذه الزيادة غير منافية لشرط الزاد والراحلة فيتعيَّن قبولها.

على أن التصريح باشتراط المحرم أو الزوجة في سفر المرأة للحج لخصوصية يقتضي دفع توهم أي تعارض، ويستلزم القول به، ففي رواية للدارقطني عن أبي أمامة مرفوعًا: “لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام أو تحج إلا ومعها زوجها”. واحتج ابن حزم لمذهبه بحديث أبي معبد عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب ويقول: “لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم. فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا أو كذا. فقال -صلى الله عليه وسلم-: “انطلق فاحجج مع امرأتك”.

ووجه استدلال ابن حزم بهذا الحديث هو كما قال ابن حزم: لأن نهيه -عليه الصلاة والسلام- عن أن تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، وقع- أي وقع سفر المرأة بدونه- ثم سأل الرجل عن امرأته التي خرجت حاجَّة لا مع ذي محرم، ولا مع زوج، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن ينطلق فيحج معها، ولم يأمر -صلى الله عليه وسلم- بردها، ولا عاب سفرها إلى الحج دونه ودون ذي محرم.

ولكن يرد على استدلال ابن حزم بأنه لو لم يكن ذلك -أي وجود المحرم أو الزوج مع المرأة في سفرها- شرطًا لما أمر -صلى الله عليه وسلم- زوجها بالسفر معها وترك الغزو الذي كتب فيه.
من اشترط وجود الزوج أو المحرم للمرأة لوجوب الحج عليها احتج بالأحاديث الصحيحة الثابتة التي تدل على ذلك، ومن هذه الأحاديث:

أأخرج الإمام البخاري في “صحيحه” عن ابن عباس: “لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا معها محرم”. فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج، فقال -صلى الله عليه وسلم-:” اخرج معها”.
بوأخرج الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- “نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم….
جوأخرج عبد الرزاق وغيره عن ابن عيينة عن عكرمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لا تحجن امرأة إلا ومعها محرم”.
ويستدل على أن رفقة النساء الثقات تقوم مقام الزوج أو المحرم في سفر المرأة للحج بما رواه الإمام البخاري في “صحيحه” أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قد أذن لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحج في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف. ثم كان عثمان -رضي الله عنه- بعد عمر بن الخطاب يحج بهن في خلافته أيضًا.

ووجه الدلالة بحج أمهات المؤمنين برفقة عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف أن هذا الأمر حصل باتفاق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي -صلى الله عليه وسلم- ودون نكير عليهن من غيرهن من الصحابة. وهذا إجماع على جواز ذلك؛ أي على جواز سفر المرأة للحج برفقة نساء ثقات، لأن أمهات المؤمنين كن ثمانية في سفرهن للحج، فقد ذكر ابن حجر العسقلاني في شرحه “لصحيح البخاري” من حديث أم معبد الخزاعية الذي أخرجه ابن سعد، قالت: رأيت عثمان وعبد الرحمن في خلافة عمر حجّا بنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- فنزلن بقديد، فدخلت عليهن وهن ثمان.

وأما قول المالكية في أن الرفقة المأمونة تقوم مقام الزوج والمحرم فيمكن الاستدلال لقولهم بما ذكرناه عن عمر -رضي الله عنه- بشأن إذنه لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحج، وأنه بعث معهن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف. ولكن هذه الواقعة يستدل بها المالكية في قولهم: إن الرفقة المأمونة تقوم مقام المحرم أو الزوج إن كانت الرفقة نساء فقط أو نساءً ورجالاً، ولكن لا يستدل على كفاية الرفقة إن كانت رجالاً فقط؛ لأن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من واحدة.القول الراجح:
بعد أن ذكرنا أدلة الأقوال المختلفة في شرط وجود المحرم في سفر المرأة للحج.. يترجَّح عندنا القول بلزوم توافر الزوج أو المحرم للمرأة لوجوب الحج عليها، وأنه يقوم مقام الزوج والمحرم وجود الرفقة المأمونة من النساء الثقات، أو من الرجال والنساء الثقات.

لا فرق بين الشابة والعجوز في شرط المحرم

وما ذكرناه من شرط المحرم لوجوب الحج على المرأة يشمل الشابة والعجوز؛ لأن الدلائل التي دلت على هذا الشرط لم تخصه بالمرأة الشابة وتسقطه عن العجوز، فتخصيصه بالشابة تحكّم بلا دليل فلا يجوز.

وإذا قيل: إن العجوز لا تشتهى، فلا معنى لهذا الشرط بالنسبة لها فالجواب: لا ضابط لذلك، ولأنه كما قيل.. لكل ساقطة لاقطة، ثم الأخذ بالاحتياط أولى في هذا المقام، وعلى هذا فالنساء كلهن سواء في شرط المحرم، وهذا قول الجمهور، فقد قال ابن حجر العسقلاني في هذا الشرط ولزومه لوجوب الحج على المرأة.. قال -رحمه الله- تعالى: (ولم يختلفوا أن النساء كلهن في ذلك سواء إلا ما نقل عن أبي الوليد الباجي أنه خصه بغير العجوز التي لا تشته). بل ويمكن القول: إن العجوز قد تحتاج إلى المحرم أكثر من حاجة الشابة لعجزها عن القيام بشؤونها، أو لصعوبة ذلك عليها؛ ولأن المنظور إليه في سفر المرأة إلى الحج ليس فقط حفظها ودفع ما يشينها وتوفير الأمن لها، وإنما أيضًا ينظر إلى ما تحتاجه في سفرها من القيام بشؤونها، والخدمة التي لا يصلح لها به إلا زوجها أو ذو محرم معها.

من هو المحرم؟

قال الحنابلة: المحرم الذي يشترط للسفر مع المرأة للحج يشمل زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب كأبيها، أو بالرضاع كأخيها من الرضاعة، أو بالمصاهرة كأبي زوجها وابن زوجها. ودخل الزوج في مفهوم المحرم هنا مع كونه يحل لها وتحل له، لحصول المقصود بسفره معها وهو حفظها وصيانتها.

ومما يدلّ على دخول الزوج في مفهوم المحرم الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل وقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة وإنني أكتتب في غزوة كذا وكذا. قال -صلى الله عليه وسلم-: فانطلق واحجج مع امرأتك”.
وجه الدلالة بهذا الحديث أن الرجل فهم من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم” أن الزوج داخل في مفهوم المحرم هنا أو قائم مقامه.

هذا وإن بعض الأحاديث الشريفة صرَّحت بالزوج مثل الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا إلا معها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها”. وعلى هذا فالمقصود بالمحرم الذي تسافر معه المرأة للحج، وأن وجوده شرط لوجوب الحج عليها هو الزوج ومن تحرم عليه على التأبيد. وعلى هذا.. إذا أطلقنا لفظ (المحرم) كشرط لوجوب الحج على المرأة، فإن هذا الإطلاق يشمل الزوج ومن يحرم عليها على التأبيد. وإن شئنا قلنا: الزوج والمحرم، وعند ذاك يكون

المحرم هنا من يحرم عليها على التأبيد، ولا يشمل الزوج لذكره صراحة.
هذا ويلاحظ هنا أن المحرم الذي يحرم على المرأة على التأبيد هو الذي يحرم عليها لحرمتها، فلا يشمل الملاعن بالنسبة لزوجته التي لاعنها، فإن تحريمها عليه بعد اللعان والتفريق بينهما فرقة مؤبَّدة إنما هو تحريم على وجه العقوبة والتغليظ وليس لحرمتها، فلا يكون الملاعن محرمًا لها.

الكافر ليس بمحرم للمسلمة:

والكافر ليس بمحرم للمسلمة وإن كانت ابنته. قال الإمام أحمد في يهودي أو نصراني أسلمت ابنته: لا يزوجها ولا يسافر معها، ليس هو لها بمحرم. وقال الحنفية: الكافر يكون محرمًا للمسلمة إلا أن يكون مجوسيًا فلا يكون محرمًا لها؛ لأنه يعتقد إباحة نكاحها، فلا تسافر معه لأنه لا يؤمن عليها، فهو بالنسبة لها كالأجنبي.
ويشترط في المحرم أن يكون بالغًا عاقلاً؛ لأن المقصود بالمحرم حفظ المرأة، ولا يحصل هذا المقصود بالصبي ولا بالمجنون، فاشترط فيه البلوغ والعقل.

السفر الذي يجب فيه المحرم:

يشترط وجود المحرم مع المرأة في سفر الحج إذا كان بينها وبين مكة مسيرة ثلاثة أيام فصاعدًا، فإن كانت المسافة أقلَّ من ذلك حجَّت بغير محرم، لأن المحرم يشترط للسفر، وما دون مسيرة ثلاثة أيام ليس بسفر، فلا يشترط فيه المحرم، كما لا يشترط للخروج من محلة إلى محلة، وهذا مذهب الحنفية.

الأحاديث في هذا السفر:

والواقع أن أحاديث كثيرة رويت وفيها مسافات معينة يلزم المرأة فيها أن يصاحبها ذو محرم أو زوج، وهذه المسافات مختلفة باختلاف الروايات، وقد رواها الإمام مسلم وغيره، وفيها: “لا تسافر المرأة ثلاثًا -أي: مسيرة ثلاثة أيام- إلا ومعها ذو محرم”. وفي رواية أخرى: “لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها”، وفي رواية أخرى: “نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها ذو حرمة منها”، وفي رواية لأبي داود: “ولا تسافر بريدًا…” والبريد مسيرة نصف يوم.

اختلاف المسافات في الأحاديث:

وقد قال العلماء في اختلاف مقادير المسافات التي وردت في هذه الروايات مردها إلى اختلاف أحوال السائلين واختلاف مواطنهم، وليس في النهي عن السفر مسيرة ثلاثة أيام بلا محرم تصريح بإباحة السفر بدونه مسيرة يوم وليلة أو بريد. وقال البيهقي في اختلاف المسافات الواردة في الأحاديث: كأنه -صلى الله عليه وسلم- سئل عن المرأة تسافر مسيرة ثلاثة أيام بغير محرم فقال:” لا “. وسئل عن سفرها يومين بغير محرم، فقال:” لا “. وسئل عن سفرها يومًا، فقال:” لا “. وكذلك سئل عن سفرها بريدًا، فقال:” لا “. فروى كل واحد منهم ما سمعه. وما جاء منها مختلفًا عن رواية واحدة فمرده أن الراوي سمعه في مواطن، فروى تارة هذا، وتارة هذا، وكله صحيح، وليس في هذا كله تحديد مسافة لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يرد -صلى الله عليه وسلم- تحديد أقل ما يسمى سفرًا.

وقال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في هذه المسألة: فالحاصل أن كل ما يسمى سفرًا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم؛ سواء كان مسيرة ثلاثة أيام أو يومين أو يوم أو بريد أو غير ذلك، لرواية ابن عباس المطلقة، وهي آخر روايات الإمام مسلم في هذا الموضوع. ونص رواية ابن عباس التي أخرجها الإمام مسلم: “لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم”. وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرًا. وهذه الرواية أخرجها الإمام البخاري أيضًا عن ابن عباس ولفظها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم…”. وقال الإمام أحمد: لا تسافر المرأة سفرًا قليلاً ولا كثيرًا إلا مع ذي محرم.

والقول الراجح بل الصحيح هو ما قاله الإمام أحمد. وعلى هذا إذا كان ما تسيره المرأة حتى تصل مكة وإلى الكعبة المشرفة يسمى سفرًا عرفًا لزمها المحرم في سفرها هذا، وإن كان ذلك لا يسمى سفرًا عادة كالمرأة تسكن حول مكة المكرمة فلا يلزمها المحرم في سيرها إلى مكة للحج.

هل يجب على الزوج أو المحرم مصاحبة المرأة في سفر حجها؟

إذا طلبت المرأة من زوجها أو من محرمها الخروج معها إلى الحج ليكون سفرها مع زوج أو ذي محرم فهل يجب عليهما إجابة طلبها، والخروج معها إلى الحج أم لا يجب ذلك عليهما؟

قال الظاهرية: … فإن كان لها زوج ففرض عليه أن يحج معها، فإن لم يفعل فهو عاص لله تعالى، وتحج هي دونه، وليس له منعها من حج الفرض وله منعها من حج التطوع. وحجتهم في ذلك الحديث الشريف الذي أخرجه الإمام البخاري وذكرناه من قبل عن ابن عباس وفيه:… فقال رجل: يا رسول الله إني أريد -وفي رواية نذرت- أن أخرج في جيش كذا أو كذا وامرأتي تريد الحج. فقال -صلى الله عليه وسلم-: “فاخرج معها” وقال ابن حزم في شرحه لهذا الحديث مستدلاً به على مذهبه: فلم يقل -عليه الصلاة والسلام-: “لا تخرج إلى الحج إلا معك”، ولا نهاها عن الحج أصلاً، بل ألزم الزوج ترك نذره في الجهاد، وألزمه الحج معها، فالفرض في ذلك على الزوج لا عليها.

وقد أخذ بظاهر هذا الحديث بعض أهل العلم، فأوجبوا على الزوج السفر مع امرأته في الحج المفروض عليها إذا لم يكن لها غيره.

ويبدو على مقتضى مذهب الظاهرية إذا لم تكن المرأة ذات زوج ولها محرم، ورفض أن يسافر معها للحج، أن لها أن تسافر وحدها.

قول الجمهور:
وقال الحنفية: فإن امتنع الزوج أو المحرم عن الخروج -أي مع المرأة في سفر الحج- لا يجبران على الخروج. وكذلك قال الشافعية، فلا يجبر عندهم الزوج ولا المحرم على الخروج مع المرأة في سفر الحج.

وكذلك قال الحنابلة: لا يجب على الزوج والمحرم السفر معها إلى الحج؛ لأن في الحج مشقة شديدة، وكلفة عظيمة، فلا تلزم أحدًا لأجل غيره كما لا يلزمه أن يحج عنها إذا كانت مريضة. وكذلك قال الزيدية: لا يجب على المحرم الخروج مع محرمه إلى الحج.

والقائلون بعدم وجوب الخروج على المحرم مع المرأة في سفرها للحج المفروض، يقولون بعدم وجوب الخروج عليه أيضًا حتى لو بذلت المرأة له نفقة السفر والحج معها. وأما ما ورد في الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس وفيه: … فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال -صلى الله عليه وسلم-: “فاخرج معها” فقد أجابوا عنه بأن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا الرجل بأن يخرج معها للحج بأنه أمر يفيد الإباحة، أو أنه أمر تخيير، أو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم من حال السائل أنه يعجبه أن يسافر مع زوجته.
والراجح عندي أن على الزوج أن يخرج مع زوجته للحج إذا بذلت له نفقة الحج؛ لأن دلالة الحديث الشريف على وجوب خروج الزوج مع زوجته دلالة ظاهرة، وبها أخذ الظاهرية، وإنما قيدا وجوب خروج الزوج معها إذا بذلت له نفقة الحج لأن سفره من أجلها، وليس من حقوق الزوجة على زوجها أن يتحمل نفقة حجها، أو يشاركها في هذه النفقة، ونفقته من جملة نفقات حجها فتلزمها هي. أما غير الزوج من محارمها فيستحب له الخروج معها على أن تتحمل هي نفقات سفره وحجه؛ لأن خروجه معها من أجلها.

هل يجب على المرأة بذل نفقة من يخرج معها للحج؟

إذا قبل الزوج أو المحرم الخروج مع المرأة للحج، فهل يلزمها بذل نفقة خروجهما؟ قال الفقيه القدوري الحنفي في شرحه لمختصر الكرخي: يلزمها ذلك لأن خروج المحرم أو الزوج معها من ضرورات حجها بمنزلة الزاد والراحلة، إذ لا يمكنها الحج بدون أحدهما، كما لا يمكنها الحج بون الزاد والراحلة، ولا يمكن إلزام الزوج أو المحرم بتحمل نفقة الحج، فيلزمها ذلك لهما كما يلزمها الزاد والراحلة لنفسها.

وبهذا قال الحنابلة، فقد صرحوا بأن نفقة المحرم المصاحب للمرأة في سفر الحج تتحملها هي، نص عليه الإمام أحمد لأنه من سبيلها فكان عليها نفقته كالراحلة، فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زادًا وراحلة لها، ولمحرمها والزوج يدخل في مفهوم المحرم عندهم كما ذكرنا. ولو كان المصاحب لها هو زوجها فيجب لها عليه نفقة الحضر وما زاد فعليها.
وكذلك قال الشافعية: يلزمها نفقة المحرم إذا لم يخرج إلا بها. ونفقة الزوج كالمحرم، أما نفقة النسوة الثقات إذا قبلن الخروج معها للحج من أجلها، فقد قال صاحب “مغني المحتاج”: والمتجه إلحاقهن بالمحرم، أي: إلحاقهن به في وجوب بذل نفقة السفر لهن من المرأة مريدة الحج.
هل يشترط إذن الزوج لسفر الزوجة للحج؟

أقال الشافعية: ليس للمرأة حج التطوع إلا بإذن زوجها، وكذا لحج الفريضة في الأصح في المذهب.

بوقال الحنفية: لها أن تخرج مع المحرم في حجة الفريضة من غير إذن زوجها إذا وجدت المحرم مع وجود الزاد والراحلة لها وله، فقد استطاعت إلى حج البيت سبيلاً فوجب عليها الحج. وإذا قيل: إن حق الزوج في الاستمتاع بها يفوت بخروجها إلى الحج، فيجب أخذ إذنه، فإن أذن خرجت، وإن أبى لم تخرج لأن الحج على التراخي لا على الفور، فإنا نقول: إن منافع الزوجة والاستمتاع بها من قبل زوجها مستثناة من حق الزوج فيها في أوقات أداء الزوجة الفرائض كما في الصلوات الخمس وصوم رمضان، فكذلك في حج الفريضة بخلاف حج التطوع إذا منعها فعليها الامتناع.

جوعند الحنابلة: يستحب للمرأة أن تستأذن زوجها في حجة الفريضة فإن أذن لها فبها وإلا خرجت بغير إذنه إذا وجدت المحرم. أما في حج التطوع فلا بد من إذنه. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج في حج التطوع، وذلك لأن حق الزوج عليها واجب فليس لها تفويته بما ليس بواجب.

دأما الظاهرية فقد ذكرنا قول ابن حزم ونعيده هنا وهو قوله: فإن كان لها زوج ففرض عليه أن يحج معها، فإن لم يفعل فهو عاص لله تعالى، وتحج هي دونه وليس له منعها من حج الفرض، وله منعها من حج التطوع.موت المحرم قبل الخروج للحج:

إذا مات المحرم قبل خروج المرأة لسفر الحج لم تخرج بغير محرم لما تقدم من النهي عن سفر المرأة بلا محرم، وإن مات بعد خروجهما فإن كان قد مات قريبًا من بلدها رجعت إلى بلدها لأنها في حكم الحاضرة، وإن كان مات بعيدًا عن بلدها مضت في سفرها للحج؛ لأنها لا تستفيد بالرجوع شيئًا لكونها بغير محرم، بل ربما كان مضيها في سفرها للحج، وقد بعدت عن بلدها أنفع لها وأحفظ مع أداء فريضة الحج. ولكن إن كان حجها تطوعًا، وأمكنها الإقامة ببلد حتى يتيسر لها الرجوع إلى بلدها، فهو أولى لها من المضي في سفرها بغير محرم.

هل يجب على المرأة أن تتزوج بمن يحج بها؟

وإذا لم يكن للمرأة محرم يسافر معها للحج، ولم تكن متزوجة، وهي موسرة تملك الزاد والراحلة لنفسها ولمن يسافر معها من محرم أو زوج، فهل يجب عليها التزوج بمن يحج بها، أم لا يلزمها ذلك؟ قال الإمام علاء الدين الكاساني في “بدائعه”:… ولهذا قالوا في المرأة التي لا زوج لها ولا محرم: أنه لا يجب عليها أن تتزوج بمن يحج بها.

المطلب الثاني: حج المرأة المعتدة من طلاق أو وفاة

وأما المرأة التي في فترة العدة سواء من طلاق أو وفاة فلا يجوز لها أن تحرم بحج أو عمرة، ولا يجب عليها شيء منهما؛ لأن الله تعالى نهى المعتدات عن الخروج بقوله عز وجل: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن} [الطلاق:1/ 65] ولأن الحج يمكن أداؤه في وقت آخر، فأما العدة فإنها تجب في وقت مخصوص وهو ما بعد الطلاق أو الوفاء مباشرة، فكان الجمع بين الأمرين أولى.