حديث “ما من أحد يُسَلِّم عليَّ..” حديث صحيح صحَّحه جماعة، منهم ابن تيمية في كتابه “اقتضاء الصراط المستقيم” وإن خالف في تصحيحه ابنُ عبد الهادي المقدسيّ فلا عبرة بخلافه لتعنُّته وتعصُّبه، فإن سند الحديث على شرط الصحيح كما قال ابن تيمية، وقد أطال ابن القيم في الرد على مَن أَعَلَّ الحديث، وأتى بوجوه حسنة في بيان اتصال سنده وصحته.

وأما معنى الحديث فقد اختلف العلماء في فهم معنى قوله: “إلا رَدَّ الله إليَّ رُوحي” وأبْدَوْا في شرحه وجوهًا سَرَدَها الحافظ السيوطيّ في كتابه “إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء” فبلغت خمسة عشر وجهًا، منها:
أن الروح كناية عن النطق، والمعنى أن الله يردّ عليه النطق ليردَّ السلام، لأنه لا داعيَ لنطقه إلا حين يُسَلِّم عليه المُسَلِّم.

ومنها أن رد الروح كناية عن التفات روحه الشريفة من الاستغراق في حضرة الملكوت إلى هذا العالم لرد سلام المُسَلِّم. والأول رأيُ ابن المنيّر، والثاني رأيُ تقيِّ الدين السُّبْكيّ.

ومنها أن هذا الحديث كناية عن دوام الحياة له؛ لأن الوجود لا يخلو من مُسَلِّم يُسَلِّم عليه في لحظة من ليل أو نهار. وهذا الوجه ذَكَره القَسْطَلاَنيّ في “المواهب” وأطال في تقريره.

والمقصود أن حياة النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قبره هو وسائر الأنبياء ثابتة بالكتاب والسنة المتواترة والإجماع.

أما الكتاب فقد أثَبَتَ حياة الشهداء، والأنبياءُ أفضلُ من الشهداء بالإجماعُ مع أن نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ مات شهيدًا بأكلة خيبر كما في الصحيح.

وأما السُّنَّة فقد تواتر الحديث عن النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن الأنبياء أحياء في قبورهم يُصَلُّون، نَصَّ على تواتره غيرُ واحد من الحفاظ آخرُهم الحافظ السيوطيّ.

وأما الإجماع فقال الحافظ السَّخاويّ في كتاب :”القول البديع” ما نصه: ونحن نؤمن ونصدق بأنه حيّ يُرزَق في قبره الشريف، وأن جسده لا تأكله الأرض، والإجماع على هذا. وقد سبقه إلى حكاية الإجماع الإمامُ الحافظ أبو محمد بن حزم الأندلسيّ في كتابه “المُحَلَّى” وكتابه “الفِصَل” .