من المعلوم أن صلاة الجمعة مفروضة بالكتاب والسُّنّة والإجماع، قال تعالى: (يا أيُّهَا الذِينَ آَمَنُوا إذَا نُودِيَ للصّلاة مِنْ يَوْمِ الجُمُعَة فاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وذَرُوا البَيْعَ) (سورة الجمعة : 9) وقال ـ صلّى الله عليه وسلم ـ “لَقَدْ هَمَمْتُ أن آمرَ رجلًا يصلِّي بالناس، ثم أحرقُ على رجال يتخلَّفون عن الجُمعة بيوتهم” رواه مسلم. والإجماع قائم على الوجوب.

وقد أعفى اللهُ منها جماعةً نصّ عليهم حديث رواه أبو داود، “الجمعة حقٌّ واجب على كل مسلم في جماعة، إلا أربعة هم العبدُ المملوك والمرأة والصَّبِيُّ والمريض” وكما استُثني هؤلاء من وجوب صلاتِها استُثنى المُسافرُ ما دام مُسافرًا حتّى لو كان نازلاً للاستراحة وقت إقامة الجمعة، اقتداءً بالنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي كان في سفر فصلّى الظُّهر والعصرَ جمعَ تقديم ولم يُصلِّ الجمعة، وكذلك فعل الخلفاء وغيرهم.

ويستمر سقوطها عن المسافر ما دام مسافرًا ولم يقطع سفرَه بالعودة إلى وطنه، أو الإقامة أربعة أيام فأكثر عند الشافعية والحنابلة حيث لا يُشترَط عندهم الاستيطان الدائم إلا للانعقاد، وأوجبها المالكيّة على المستوطِن المقيم بنيّة التأبيد، كما لا تصحّ إلا بذلك، فلو نزل جماعة كثيرة في مكان نَوَوا فيه الإقامة شهرًا مثلًا، فلا تجب عليهم الجمعة ولا تصحُّ منهم، والأحناف قالوا: الاستيطان ليس شرطًا للوجوب، وإنما الشرط هو الإقامة ولو من مسافر خمسة عشر يومًا.
ومن هنا تحدّث العلماء عن حكم السفر يوم الجمعة وهو الخروج من البلد حتى لو كان السفر قصيرًا، وبيّنوا حكمَه إن كان قبل طلوع الفجر أو بعده.

1 ـ فقال الشافعيّة: إن كان سفره قبل الفجر فهو مكروه، وذلك لسقوط الجمعة عنه وضَياعها منه دون وجود مبرّر للسفر، وضربوا لذلك مثلاً بالحَصّادين ونحوهم من العُمّال الذين يخرجون للعمل في الحقول والمنشآت قبل الفجر فلا تجِب عليهم الجمعة إلا إذا كانوا في مكان يسمَعون فيه النّداءَ من بلدهم، وإن كان سفره بعد الفجر فهو حرام، إلا إذا ظَنّ أنه يدركها في طريقه، أو كان السفر واجبًا كالسفر للحج الذي ضاق وقته وخاف فَوْتَه، أو كان لضرورة كخوفه فواتَ رُفْقةٍ يلحقه ضَرر بِفَوْتِهم.

2 ـ وقال المالكيّة: يجوز السفر قبل الفجر، ويُكره بعده إذا كان لا يدركها في طريقه، فإن كان يدركُها فلا كراهة.

3 ـ وقال الحنابلة: يُكرَه السفر قبل الفجر إذا لم يأتِ بها في طريقه، ويحرُم بعد الزوال إلا عند خوف الضّرر كتخلُّفه عن الرُّفقة.

4 ـ وقال الحنفيّة: لا يُكره السّفر قبل الزّوال.

وهذا ما قاله العلماء في حكم صلاة الجمعة بالنسبة للمُسافر، وعن السفر في هذا اليوم، يتلّخص في عدم وجوبها على المسافر الذي أنشأ السّفر قبل يوم الجمعة حتّى لو كان سَفرًا قصيرًا ، أما مَن أنشأ السفر بعد الفجر، فأوجبَها بعضهم ولم يوجِبْها البعض الآخر.

ونرى الحرصَ عليها في السفر حتى لو كانت غير واجبة، فثوابُها عظيم، وهي إن سقطت عنه كمُسافر فلا تسقط عنه صلاة الظُّهر في السّفر القصير أو الطويل، وعليه الصلاة قَصرًا أو جمعًا إذا كان السفر طويلًا كما هو مقرَّر في الفقه.