لا يزال الاستشراق يمثل شاغلاً للفكر الإسلامي، سواء من ناحية نقده ومواجهة أطروحاته، أو من ناحية الإفادة منه والانتفاع بإسهاماته.. لاسيما وأن الاستشراق لم يترك مجالاً من مجالات الفكر الإسلامي المتعددة إلا وترك فيها بصمات، وقدَّم دراسات ونظريات.

 

في هذا الحوار الذي أجراه “إسلام أون لاين” مع المفكر والأكاديمي المصري الدكتور محمد الشرقاوي، أستاذ ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية ومقارنة الأديان بكلية دار العلوم بالقاهرة‏, سابقًا، نتعرف على ظروف نشأة الاستشراق، وتأثيرها على المسار الذي اتخذه بعد ذلك.. كما نتطرق إلى دور الاستشراق في تشويه ذهنية الإنسان الغربي عن الإسلام.. بجانب التعرف على الجهود الاستشراقية التي وجهت نقدًا ذاتيًّا مهمًّا لأطروحاتٍ طالما دأب الاستشراق على ترويجها، على مدى قرون عديدة.

والدكتور الشرقاوي، هو أحد كبار المتخصصين في العالم العربي والإسلامي في الدراسات الاستشراقية، وقام بالتدريس في عدد كبير من الجامعات، وشارك في مؤتمرات وملتقيات عدة، مع باحثين مسلمين وغربيين، عن الاستشراق ومجالاته ومساراته. إضافة إلى ما قدمه من كتب ودراسات في مجالات مختلفة، مثل: “الاستشراق في الفكر الإسلامي المعاصر.. دراسات تحليلية تقويمية”، “الاستشراق وتشكيل نظرة الغرب للإسلام”، “الأسباب والمسببات في الفكر الإسلامي”، “الاتجاهات الحديثة في دراسة التصوف الإسلامي”، “مدخل نقدي لدراسة الفلسفة”، “في مقارنة الأديان.. بحوث ودراسات”، “القرآن والكون”، “الفكر الأخلاقي دراسة مقارنة”، “تحقيق: رسالة راهب فرنسا إلى المسلمين وجواب القاضي أبى الوليد الباجي عليها”، “تحقيق: إفحام اليهود، قصة إسلام السموأل ورؤياه النبي عليه الصلاة السلام”.. فإلى الحوار:

يرى البعض أن الاستشراق في مساره كان متأثرًا بظروف النشأة.. هل تتفقون مع هذا؟

نعم أتفق، فقد نشأ الاستشراق Orientalism أول مرة في أحضان الكنيسة خدمة للهدف الاستراتيجي الذي حدده بطرس المبجل، رئيس رهبان دير Cluny في إسبانيا، المتمثل في دراسة الإسلام من أجل دحضه وإبطاله. وبطرس هذا قد درس في الأندلس وأشرف على ترجمة القرآن الكريم، لأول مرة، إلى اللغة اللاتينية؛ تلك الترجمة التي أنجزت في إسبانيا عام 1143م.

وقد كان من أبرز المتحمسين الذين دعوا إلى تعليم لغة المسلمين بغرض تنصيرهم المستشرق Roger Bacon؛ فقد كان يرى أن التنصير هو الطريقة الوحيدة التي بها يمكن توسيع العالم المسيحي في الشرق. ولبلوغ هذا الهدف لا بد من توافر شروط ثلاثة، هي:

معرفة اللغات الإسلامية.

دراسة أنواع الكفر وتمييز بعضها عن بعض (دراسة الأديان).

دراسة الحجج المضادة حتى يمكن دحضها.

لقد شارك Bacon في طموحاته هذه Rolull، الذي كانت له جهود كبيرة أثمرت إنشاء خمسة كراسٍ لتدريس اللغة العربية في جامعات أوروبية، وكان الهدف من هذه الجهود هدفًا تنصيريًّا خالصًا. وقد أقر مجمع فيينا الكنسي عام 1312 أفكار Rolull، ومن قبله Bacon، بشأن وجوب تدريس اللغات الإسلامية في الغرب، وتمت بموجب هذا القرار الكنسي الموافقة على تعليم اللغة العربية في جامعات باريس، وأكسفورد، وبولونيا، وسلامنكا، بالإضافةإلى الجامعة البابوية.

وقد قُدّر لـ Rolull أن يعيش حتى يرى حلمه يتحقق، وكان يعتقد أن الوقت قد حان لإخضاع المسلمين عن طريق التنصير، وبذلك تزول العقبة الكبرى التي تَحول دون تحويل الإنسانية كلها إلى العقيدة الكاثوليكية.

وبرغم الاجتهادات العديدة الرامية إلى تحديد بداية نشأة الاستشراق، فإنني أرى أنه قد بدأ بداية منظمة بعد صدور قرار مجمع فيينا سنة 1312، وقد توسعت أوروبا- بعد ذلك- في فتح أقسام جديدة وإنشاء كراسي أستاذية في عدد من الجامعات؛ ففي سنة 1587 بدأ تدريس اللغة العربية بصورة منتظمة في College de France في باريس، وفي سنة 1613 في جامعات لايدن بهولندا، وفي كامبردج سنة 1639، وأنشئ كرسي أستاذية للعربية والدراسات الإسلامية في أوكسفورد سنة 1634. ويرى الدكتور ألبرت حوراني أنه منذ ذلك الوقت بدأت دراسات مهمة ومكثفة للمصادر العربية، ثم توسعت أوروبا في دراسة الإسلام والمسلمين توسعًا كبيرًا في عصر الإمبراطوريات الاستعمارية الحديثة، فيما بعد.

هل يمكن القول بأن حملة التشويه الغربية الممنهجة ضد الإسلام، إنما كانت نوعًا من مقاومته، وصدِّه عن الانتشار داخل الغرب نفسه، بعد فشلهم في مقارعته الحجة بالحجة؟.

هذا صحيح، ولعلي أشرت في الإجابة السابقة لشيء من ذلك. لقد شعر الغرب بأن الإسلام يشكل تحديًا هائلاً له، منذ السنوات الأولى له. ولقد تمثل هذا التحدي في الجوانب العقائدية؛ فقد جاء الإسلام بالتوحيد الواضح المفهوم السهل النقي، ووضع حدًّا فاصلاً بين الألوهية والبشرية، عكس ما كانت عليه العقيدة النصرانية من غموض ولبس وتعقيد، تمثل في الجمع المتناقض بين التثليث والتوحيد وتأليه البشر، والتجسيد والحلول.

كما تمثل التحدي الإسلامي للغرب في الجوانب السياسية؛ فقد جاء ليحرر الناس من الظلم والجور والبطش والعسف والاستكبار الذي مارسه ضدهم الأباطرة الغربيون في روما وبيزنطة؛ فلقد رحبت الشعوب في سوريا وفلسطين ومصر وشمال أفريقيا وإسبانيا وجزر البحر المتوسط وغيرها، بالفتح الإسلامي أشد ترحيب؛ لأنه جاء ليخلصهم من نير الاستعباد الغربي لهم، ويعلن ويطبق مبادئ حقوق الإنسان كاملة غير منقوصة، ويشيع روح العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، ويسقط كل أنواع التمييز الطبقي، ويحرر المستعبدين.

بجانب هذا، مثَّل الإسلام تحديًا للغرب في الجوانب الحضارية؛ حيث أرسى الإسلام مبادئ التسامح وأغلق أبواب التعصب، وشجع على الانفتاح والتواصل وفرض طلب العلم على الرجل والمرأة، ويسَّر سُبل تحصيله، وحفظ حقوق الأقليات الدينية، ومنح الإنسان حرية الاعتقاد، وحمى سلطانه هذه الحرية. ومن هنا، فقد ازدهرت الحضارة الإسلامية ازدهارًا عظيمًا، واضعةً كرامة الإنسان هدفًا ساميًا لها.

ولقد تصرف الغرب إزاء هذه المشكلة العقائدية السياسية الحضارية التي استشعرها، تصرفًا ينسجم مع تعصبه وتطرفه وعنصريته واستعلائه؛ فراح ينسج لهذا الدين الجديد- الإسلام- صورة مزيفة قَلَب فيها خصائص الإسلام وحقائقه رأسًا على عقب، ورسم له صورة سوداء كالحة السواد؛ بغية تسويق هذه الصورة البشعة المنفرة المخيفة للمواطن الغربي، بهدف تحصينه ضد الإسلام.

كيف ترون دور الاستشراق وتأثيره في سياق العلاقة بين الإسلام والغرب؟

الاستشراق ظاهرة غربية مهمة، ذلك أن الإسلام قد احتك احتكاكًا مباشرًا بحضارات شرقية عديدة هندية وصينية، لكن الحضارة الغربية وحدها هي التي أنتجت ظاهرة الاستشراق؛ بمعنى أن يتخصص عدد كبير جدًّا من أبنائها في دراسة الإسلام- عقيدة وشريعة وحضارة وتاريخًا ولغة- بكثافة وتركيز، منذ احتكاك الإسلام بالغرب وإلى اليوم.

والعلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي علاقة معقدة وتراكمية، ولطالما وُظِّف الاستشراق في خدمة خطط الغرب الاستراتيجية في التعامل مع العالم الإسلامي، منذ رأى الغرب أن ظهور الإسلام وتوحيده لشعوب الشرق يعد مشكلة خطيرة عليه أن يتعامل معها. وكان تحصين المواطن الغربي وإكسابه مناعة فعالة ضد الإسلام والمسلمين- عن طريق تسميم عقله، وتلويث مشاعره ضد الإسلام والمسلمين- أحدَ هذه الخطط الاستراتيجية التي جنَّد الغرب لها جيشًا جرارًا من المستشرقين.

وأنا هنا أقر بأن هذه الخطة قد نجحت في هدفها، وأكسبت الإنسان الغربي مناعة؛ فجعلته، كما قلنا، كارهًا للإسلام خائفًا منه في كثير من الأحوال. ولعل النجاح الذي تحقَّق قد أغراهم في مواصلة العمل بهذه الاستراتيجية حتى اليوم، بعد تحديث أساليبها وتطوير آلياتها، وبعد تحالف بعض المستشرقين مع خبراء البحوث ورجال الإعلام.

وكما وضع كبارُ المستشرقين أنفسَهم في خدمة الكنيسة وأغراضها، وضعوا أنفسهم أيضًا في خدمة حكوماتهم الاستعمارية، أي أن الاستشراق قد أدَّى دورًا كبيرًا وأسهم بفاعلية في التهيئة لاستعمار العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر. ولما تم للغرب ما أراد، وسيطر على الشرق الإسلامي عسكريًّا وسياسيًّا وثقافيًّا، هبَّ الاستشراق للعمل على إضعاف المقاومة الروحية والمعنوية، وبث الوهن والارتباك في التفكير؛ وذلك عن طريق التشكيك فيما بأيدينا من تراث، وما عندنا من عقيدة وقيم إنسانية عليا؛ حتى نفقد ثقتنا بأنفسنا ونستسلم للهيمنة الغربية المتجبرة.

ما أهم الرؤى الاستشراقية في التعامل مع القرآن الكريم؟

المستشرقون بذلوا جهودًا مضنية في محاولة إثبات أن مصدر القرآن لم يكن الوحي، وأنه من تأليف محمد ، وأنه قد لفَّق مادة القرآن من عناصر الثقافة السائدة في البيئة العربية وقتئذ. كما أفاد- حسب زعمهم- من كتب اليهود والنصارى، واستعان برهبان النصارى وأحبار اليهود في تأليفه أو تلفيقه..!

والمستشرق الألماني Jofueck قد لفت النظر إلى هذا الأمر، قائلاً: “على كل حال، لقد أصبح النظر في عدم أصالة الإسلام واعتماده على الأديان السابقة موضة (Vougue) بين عموم المستشرقين”.

واعترض المستشرق السويدي Tor Andrae على هذا الاتجاه الاستشراقي المتشكك في أصالة القرآن، وقال في سخرية لاذعة: “كأن المهمة الكبرى للمستشرقين الدارسين لشخص الرسول، هي محاولة فهم كيف أن الرسول، بتأثير روح البيئة المحيطة، قد لفَّق أو زوَّر أشتاتًا عديدة شديدة التنافر في كلٍّ واحد، هو القرآن”.

ولهذا نقول: لا ريب أن التعصب المقيت قد أعمى المستشرقين الذين زعموا ذلك؛ إذ لو كان صحيحًا أن النبي محمدًا قد لفَّق القرآن والإسلام من أشتات الثقافة والعقائد العربية، ومزج بين ما تعلَّمه عن اليهودية والنصرانية، لَوُجِد اتفاق وتطابق، أو على الأقل توافق وانسجام في العقائد والتشريعات والمعاملات والعبادات والأخلاق التي قررها، وبين عقائد اليهود والنصارى ومشركى العرب والوثنية اليونانية والرومانية والهندية والبابلية والمصرية القديمة. وبما أن الإسلام قد جاء بعقيدة التوحيد الخالص، التي تصادم تمامًا العقيدة النصرانية والتجسيم اليهودي، وذلك الحال بالنسبة للعبادات والأخلاق والتشريعات في المعاملات؛ فقد جاءت مخالفة لها على الإجمال والتفصيل.. فلا مجال إذًا لمثل هذه الدعوى المتهافتة الساقطة.

كما أن مشركي العرب أنفسهم لم يوجهوا لمحمد تهمة استمداد القرآن من اليهود والنصارى. ولو رأوا شيئًا من ذلك ما قصَّروا في التشنيع؛ لأنهم زعموا أن الذي يُعلِّمه عبدٌ رومي كان يصنع السيوف بمكة، ولم يكن نصرانيًّا ولا يهوديًّا. ودحض القرآن هذا الزعم، بقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (النحل: 103).

ومما يثير الأسف حقًّا أن هؤلاء المستشرقين قد أسهموا بهذه المفتريات إسهامًا خطيرًا في تشكيل العقل الغربي، وصياغة الشعور الغربي وإثارته وتعبئته ضد الإسلام والقرآن؛ مما تسبَّب في حرمان معظم الغربيين من نعمة النظر الحر، والتدبر الصادق، ورؤية الحق فيما يتعلق بالإسلام دونما تأثر بهذه الموروثات الثقيلة.

تقييم الاستشراق بين الإنصاف والإجحاف.. كيف تنظرون إليه؟

نعم، كثيرًا ما تضيع حقائق بسبب عدم التوازن في الرؤية.. ورغم ما أشرنا إليه من مساوئَ للاستشراق على مدى عقود، فقد كانت له بلا شك إيجابيات كثيرة، توجب علينا الاعتراف بها، وتقديرها.

لقد بذل المستشرقون جهودًا ضخمة مضنية في دراسة الإسلام، ولغته، وآدابه، وعقيدته، وتاريخه، وقرآنه وسنته، وحضارته، وأعلامه، إلى غير ذلك من العلوم والمعارف الإسلامية.. وألَّفوا كتبًا وقواميس ودائرة معارف، وحقَّقوا مخطوطات، وعقدوا مؤتمرات كثيرة للتدارس فيما بذلوا وما ينبغي أن يقوموا به من عمل.

ومهما يكن من شيء، فإن الدارس المنصف لابد أن يقف مندهشًا أمام هذه الجهود الكثيفة المتكاملة المتضافرة المؤثرة إلى أبعد حدود التأثير للمستشرقين. كذلك حرصهم ودأبهم ومثابرتهم على تجميع المخطوطات الإسلامية بكل الطرق، وفهرستها والتعريف بها، وتحقيق الكثير منها. ولا بعد أن نعترف أن كثيرًا من هذه المخطوطات ما كان لنا أن نعرفها إلا بواسطة بعض المستشرقين، بل ربما ما كان لها أن تبقى حتى اليوم لولا عنايتهم ورعايتهم لشأنها. (ولأصبح مصيرها مصير مخطوطات جدي رحمه الله!!)

وإن ما أثمرت جهودهم من مثل: تفصيل آيات القرآن، الذي تمخَّضت عنه فكرة المعجم المفهرس للقرآن الكريم، وكذلك المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي؛ لأمرٌ غير منكور. أما دائرة المعارف الإسلامية التي وضعوها، فإنها لا تزال عمدة الدراسين من العلماء والطلاب، على ما بها من اضطراب وقصور. ويؤسفني أن أقول في هذا المقام: إن جامعاتنا ومؤسساتنا ومراكز بحوثنا، على كثرتها ووفرة إمكاناتها، قد عجزت وفشلت في وضع البديل الذي يضارعها، أو يسدُّ مسدَّها.

ومن الثمرات غير المنكورة للجهد الاستشراقي أنه حفز كثيرًا من العلماء الأجلاء إلى الاستجابة لهذا التحدي الكبير، ودراسة تراثنا دراسة عميقة واعية؛ للتعرف على ما ينطوي عليه من عوامل القوة والنهوض وموجبات الترقي وحسنات الأخلاق وفضائل القيم من ناحية، ولمقاومة الهجمة الاستشراقية والاستعمارية والتبشيرية الشرسة من ناحية أخرى.

تلك ثمرة عظيمة غير مباشرة للاستشراق تحققت. كما أن المستشرقين قد طرقوا موضوعات جديدة، وفي بعض الأحيان طريفة، لم تكن معروفة أو مألوفة؛ فلقد لفتوا أنظار الباحثين المسلمين إليها، وشحذوا هممهم إلى العناية بها واستثمارها وتطويرها، كما أنهم قد وظَّفوا منهجيات بحثية مفيدة.

ربما يفاجَأ البعض بأن الاستشراق واجه حركةَ نقدٍ من داخله، تلاقت في كثير من مآخذها مع النقد الخارجي له، أي مع النقد الإسلامي.. نريد تسليط الضوء على ذلك.

هذا صحيح، فقد خضعت الدراسات الاستشراقية لعملية مراجعة وتقويم، أو نقد من داخل المؤسسة الاستشراقية ذاتها؛ وهذا ما نطلق عليه (نقد الأنا)، أو (النقد الذاتي)؛ فالمستشرقون في واقع الأمر ليسوا سواءً، فمنهم الراديكاليون والمعتدلون نسبيًّا، والمنصفون.

وقد انتقد المستشرقون أنفسَهم، في جوانب متعددة، منها:

الغرض الأساسي للاستشراق: وهو محاربة الإسلام، وانتزاع كل أصالة منه، وتصويره على أنه هرطقة مسيحية أو تلفيق من الديانات والثقافات السابقة. فيحدد المستشرق الألماني المعاصر Rudi Paret هدف الاستشراق، إبان النشأة، في وضوح وجرأة، فيقول: “كان الهدف من هذه الجهود الاستشراقية في ذلك العصر، وفي القرون التالية، هو التبشير”؛ أي إقناع المسلمين ببطلان الإسلام واجتذابهم إلى الدين المسيحي.

المناهج النقدية المتعسفة في التعامل مع القرآن الكريم والسنة المطهرة: يقول يوهان فوك: “لقد فقدت دراسات المستشرقين الكبار صلتها بأفكار القرآن المتميزة والرصينة، واكتفت باجترار البحث في تبعية كل مقطع قرآني وإرجاعه إلى مصدره في الأديان السابقة، كلما كان ذلك ممكنًا؛ بهدف تمزيق الصورة الحية المتكاملة للرسول والقرآن إلى ألف نتفة وجذاذة”.

خدمته للاستعمار: فقد وضع الاستشراق كل خبراته ودراساته في خدمة وزارات المستعمرات الغربية، وعمل المستشرقون في تلك الدوائر الاستعمارية كخبراء ومستشارين.

تقديم أنفسهم على أنهم مشيخة أو مرجعية للدراسات الإسلامية في العالم.

– صك أحكام عامة نمطية جامدة عن الإسلام والمسلمين، وتسويقها في الغرب والشرق على السواء.

– تكريس نزعة الاستعلاء العنصري ضد الإسلام والمسلمين؛ وقد تمثل ذلك في محاولة تجريد الإسلام من أصالته في ميادين الفلسفة والتصوف والفقه والكلام والقيم العليا.

اتهام الإسلام بالانغلاق والتعصب وعدم إقراره بالتعددية، ومن ثم رفضه لقبول الآخر، أو عدم قدرته على التعايش معه.

تشويه موقف الإسلام من المرأة خاصة، ومن حقوق الإنسان عامة.

– التحريض والتشويه والدسّ عن طريق اختلاق مفاهيم زائفة مثل (الأصولية الإسلامية) بهدف شيطنة الإسلام، و(الإرهاب) لتسويغ ضرب الشعوب الإسلامية أو التدخل في شئونها وإخضاعها.

تشويه مفهوم الجهاد في الإسلام، وطرحه بصورة مستفزة مثيرة للآخرين، بقصد تعبئتهم ضد الإسلام والمسلمين، وكذلك تشويه عقيدة القضاء والقدر.

تحميل الإسلام مسئولية تخلف الشعوب الإسلامية وضعفها وفقرها وانكسارها الحضاري.

فمثل هذه الأحكام التي أنتجتها الجهود الاستشراقية، كانت موضع ملاحظة ونقد من بعض المستشرقين داخل المؤسسة الاستشراقية، بل كان انتقاد بعضهم للغلو الاستشراقي شديدًا ولاذعًا.. وهذا أمر ينبغي تقديره، ومدّ جسور التعاون والتفاعل مع أصحابه.