من المعلوم أن صوم رمضان فريضة مكتوبة على المسلمين لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) سورة البقرة الآية 183 .

والصيام ركن من أركان الإسلام فمن تهاون في صيام رمضان فقد وقع في معصية كبيرة والعياذ بالله فإذا انضم إلى فطره مجاهرته في ذلك فقد ازداد عصياناً وإثماً حيث إنه أظهر المعصية وتلبس بأفعال أهل المجون نسأل الله العفو والعافية .

ولو أن المفطر قد ستر على نفسه لكان ذنبه أهون وإن كان هو عظيم في ذاته.

قال العلامة ابن القيم: [والمستخفي بما يرتكبه أقل إثماً من المجاهر المستعلن والكاتم له أقل إثماً من المخبر المحدث للناس به فهذا بعيد من عافية الله تعالى وعفوه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يستر الله تعالى عليه ثم يصبح يكشف ستر الله عنه يقول يا فلان فعلت البارحة كذا وكذا فيبيت ربه يستره ويصبح يكشف ستر الله عن نفسه أو كما قال ، وفي الحديث الآخر عنه ( من ابتلي من هذه القاذورات بشيء فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله ).

وفي الحديث الآخر (إن الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها ولكن إذا أعلنت فلم تنكر ضرت العامة] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان 2/147-148.

ولا شك أن المجاهرة بالإفطار فيها نوع من التبجح والافتخار بالمعصية وهذه وقاحة عظيمة وقلة حياء فهذا العاصي المجاهر لم يستح من الله سبحانه وتعالى ولم يستح من الناس .

والحديث الأول الذي ذكره ابن القيم رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول … الحديث .

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ قوله : ( كل أمتي معافى ) بفتح الفاء مقصور اسم مفعول من العافية وهو إما بمعنى عفا الله عنه وإما سلمه الله وسلم منه … ومحصل الكلام كل واحد من الأمة يعفى عن ذنبه ولا يؤاخذ به إلا الفاسق المعلن أ.هـ …

وقال الطيبي: الأظهر أن يقال المعنى كل أمتي يتركون في الغيبة إلا المجاهرون , والعفو بمعنى الترك وفيه معنى النفي كقوله : ( ويأبى الله إلا أن يتم نوره ) والمجاهر الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث بها , وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به ا هـ . والمجاهر في هذا الحديث يحتمل أن يكون من جاهر بكذا بمعنى جهر به … ويحتمل أن يكون على ظاهر المفاعلة والمراد الذي يجاهر بعضهم بعضاً بالتحدث بالمعاصي ) فتح الباري 10/597-598

وقال الحافظ أبو العباس القرطبي: في شرح الحديث السابق بعد أن ذكر اختلاف الروايات فيه : [وهذه الروايات وإن اختلفت ألفاظها هي راجعة إلى معنىً واحد قد فسره في الحديث وهو أن يعمل الرجل معصية في خفية وخلوة ثم يخرج يتحدث بها مع الناس ويجهر بها ويعلنها وهذا من أكبر الكبائر وأفحش الفواحش وذلك : أن هذا لا يصدر إلا من جاهل بقدر المعصية أو مستهين مستهزئ بها مصرٍ عليها غير تائب منها مظهرٍ للمنكر . والواحد من هذه الأمور كبيرة فكيف إذا اجتمعت ؟! فلذلك كان فاعل هذه الأشياء أشد الناس بلاء في الدنيا وعقوبة في الآخرة لأنه تجتمع عليه عقوبة تلك الأمور كلها وسائر الناس ممن ليس على مثل حاله وإن كان مرتكب كبيرة فأمره أخف وعقوبته إن عوقب أهون . ورجوعه عنها أقرب من الأول لأن ذلك المجاهر قل أن يتوب أو يرجع عما اعتاده من المعصية وسهل عليه منها. فيكون كل العصاة بالنسبة إليه إما معافى مطلقاً إن تاب وإما معافى بالنسبة إليه إن عوقب والله تعالى أعلم ] المفهم لما أشكل من تلخيص 6/618 .

وينبغي أن يعلم أن الإنسان إذا ابتلي بمعصية من المعاصي فالواجب عليه أن يستر نفسه ولا يظهر شيئاً من ذلك وعليه أن يتوب إلى الله تعالى فقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها فمن ألم بشيء منها فليتستر بستر الله عز وجل وليتب إلى الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله ) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 663.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين , وفيه ضرب من العناد لهم , وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف , لأن المعاصي تذل أهلها , ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ومن التعزير إن لم يوجب حداً , وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه , فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة, والذي يجاهر يفوته جميع ذلك ] فتح الباري 10/598- 599 .

وخلاصة الأمر أن الفطر في نهار رمضان بدون عذر حرام شرعاً ومن كبائر الذنوب فإذا انضم إلى ذلك المجاهرة بالفطر فقد ازداد إثماً على إثم والواجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يقضي ما أفطر من رمضان .