الصداقة مع أبنائنا.. هل هذا الأمر ممكن؟ هل هناك مثلا صداقة بين الأم و بنت السنتين؟ وكيف تكون؟ هذا بالتأكيد يدل على عبور الأم نقطة مهمة في حياتها لأول مرة: فهل تصادق ابنتها أم تظل لها أمًّا لها هيبتها، وتتعامل معها على أنها طفلة دائمًا؟ وشتان بين الفلسفتين: فلسفة الترافق والصداقة في الحياة، وفلسفة التحكم في سير الحياة.

الإجابة سيدتي تكمن في أن إبداء الحب بمفردات طفلتك وليس بمفرداتك أنت، فالطفل يصله الحب حين أربت بحنان على كتفه، أو أتلمس شعره، أو أضمه إلى قلبي، أو أبتسم ابتسامة صادقة له، أو أغني معه، أو أندهش مثله، أو ألعب معه ما يحبه من ألعاب أو أرقص معه، أو أمثل له أو أعطيه ما يجب (دون إفراط)..

طفلي .. أنا أحبك

بهذه المفردات البسيطة الرقيقة نقول للطفل: نحن نحبك. وليس كما يتصور البعض، بل ويرددون على مسامع الطفل: نحن نلبسك أفخم الملابس، ونحضر لك أغلى الأطعمة، وندخلك أغلى المدارس… الطفل خاصة في سنوات عمره الأولى لم تدخل مفردات المادة في حياته وعساها لا تدخل أبدًا.

 فحاولي من البداية فهم طفلتك، فلكل طفل طبيعة خاصة، فلا تحاولي فرض تصرفات بعينها عليها في طريقة الكلام، الملابس، اللعب… أعطيها قدرًا مناسبًا للحرية لتنمو شخصيتها الأصلية؛ حتى لا تتحول لدمية تتحرك لإرضائك فقط، وليكن حدود توجيهك بميزان واحد لا يختل (الحلال والحرام – الأمن والسلامة) ودون مغالاة في الأمر ودون تفريط.

علّمي ابنتك الكلمات الرقيقة

الصداقة مع أبنائنا تنمو مع الكلمات الرقيقة والتعبيرات الرقيقة التي تحمل معنى الحب والتقدير لكل تصرف جميل. فعلّمي ابنتك الكلمات الرقيقة.. علِّميها أن تعبّر لك وللآخرين عن حبها فقد أمرنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- بذلك، علّميها أن تشكر وتقدر ما يقدم لها، وتعبر باللفظ والحركة والإيماءة واللفتة عن ذلك.. فالتقدير والتعبير عن الحب يقوي العلاقة بين أي شخصين، فما بالك بين الأم وابنتها.أشعريها دائمًا بالاهتمام والمشاركة. ابحثي من الآن عن هوايات مشتركة، فلا تقحميها على اهتماماتك، فلعلها غير راغبة فيها، ولكن إن أبدت اهتمامًا بجزئية فيما تفعلين فاجعلي هذه الجزئية هي جسر للتواصل بينكما.

اشرحي لها دائمًا وصف ما تفعلين، كأن تقولي: ماما الآن ستذهب لفعل كذا، كم أتمنى أن أجد صديقة جميلة تشاركني هذا.. ودعي لها قبول عرضك بالصداقة وكذلك المشاركة.

اختيار المواقف السهلة

أشعريها أنها صاحبة رأي وقرار يحترم، فاحكي لها عن شيء ضايقك أو أسعدك، واتركي لها الفرصة لتخفف عنك. كذلك اسأليها عن تصرف مناسب، واسأليها: أتصرف بهذه الطريقة أم بتلك؟ بالطبع اختاري المواقف السهلة والتي تكوني أعطيتها خبرة سابقة بها، ولا مانع بالطبع لو اختلقت الموقف.

اصطحبيها معك للمطبخ، واشرحي لها ودعيها تشاركك، وكذلك أثناء الشراء، وأعمال المنزل.. على ألا يكون بينكما صمت أبدًا، بل تبادل حوار مستمر لا ينقطع.

ابتعدي عزيزتي عن النقد، فلا شيء يهدم مثله، فهو يهدم شخصية الطفلة، كذلك يهدم الصداقة بينكما. الإنصات الجيد وسيلة رائعة لفهم الآخرين وعلاقتنا بأبنائنا.

الإنصات يفعل الكثير

في مجال الصداقة مع أبنائنا يفعل الإنصات الكثير، فهو فضلاً عن إتاحة الفرصة للاستماع دون مقاطعة بفهم، وتفهم لشخصية هذا الابن، فإنه يعطي الابنة إحساسًا بالأهمية، وبأن لديها شيئًا مهمًّا يستمع إليه الآخرون. وهذا يبين كثيرًا ثقتها في نفسها والآخرين. كذلك يعلمها أن تستمع للآخرين، وأن تحاول فهمهم فهمًا صحيحًا.

أجلسي ابنتك وضميها إليك ضمًّا حانيًا، ثم انظري في عينيها وكلميها كلمات فيها بعض النغم.. دعيها دائمًا تستمع لصوتك وأنت تغنين لها أو تقرئين لها آيات قصيرة من القرآن الكريم، أو تحكين لها قصة صغيرة، ومثلي القصة، وانفعلي معها، وتحركي.. طيري مع طفلتك وبها.. نعم مع الأطفال تنمو الأجنحة.

الطفل يحب الموسيقى، كما تنميه الموسيقى..اسمعيها.. ودعيها تستمع بها. أمسكي بيدها وضعيها في الألوان.. وأخرجي لها عناصر الدهشة والبهجة.. واتركي يدها متحركة تشكّل باللون ما تراه هي في عالمها لمسات صغيرة، فخطوط، فأشكال مسماة، وهكذا…، فعساها تصبح فنانة رائعة.. فكم نحتاج لفنانين مسلمين حقًّا.

خلاصة القول: حب خالص أطلقيه مع الابنة، ومشاركة حقيقية تنمو زهور الصداقة.


أ/نيفين عبدالله صلاح