إن حدوث أعراض نفسية معرفية وشعورية، تتمثل في القلق والانشغال بالموت أو الخوف من الموت، والذي ينتاب أحيانا بعض الناس قبل النوم. يمكن أن يكون أمرا طبيعيا، بل إنه قد يكون مفيدًا إذا كانت نتيجته هي محاولة ضبط سلوك الإنسان. بحيث يكون أكثر التزاما بمبادئ فهم الدين، ولدى المسلمين تراث كبير في الحض على تذكر الموت، لما في ذلك من تأثير قوي على منع الشخص من المعصية.

في هذا الإطار ومن هذا المنظور يصبح الخوف من الموت نعمة من الله؛ لأنه وجه الإنسان إلى الأفضل فالتزم به.

وهنا سنجد الخوف من الموت يمثل درجة من درجات السواء النفسي، داخل المنظومة المعرفية للمسلم المؤمن أو المسلمة المؤمنة.

ولنتذكر حديث رسول الله في فضل ذكر الموت: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَن رسول الله قال: “أَكثروا ذكر هادم اللذات”، ويكمل رضي الله عنه: يعني الموت، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

الخوف من الموت ابتلاء من الله أم اضطراب نفسي؟

ولكن على الانسان الانتباه جيدًا إلى الكلمات، فما نقوله في ذكر الموت يجب أن يؤخذ بهذا المعنى تحديدًا، ويشترط ألا يتجاوزه، لا عن قصد ووعي ولا عن غير قصد! لأن زيادة هذا الخوف عن الحد الذي يسمح للشخص بالحياة الطبيعية، متفاعلاً مع الآخرين، ومؤديا لكل وظائفه في الحياة، وقادرًا على استيعاب معطيات تلك الحياة، وقادرًا على الشعور بطعم تلك الحياة ومتعتها، وحمد الله عليها.

إذا زاد الخوف عن هذا الحد فإن الأمر لا يعود طبيعيا، ويصبح ابتلاء من الله يحمد عليه بالطبع، لكن الطبيب النفسي يسميه اضطراب القلق، والذي قد يأخذ عدة أشكال منها اضطرابات القلق الرهابية Phobic Anxiety Disorders، ومنها وهو الأكثر انتشارًا:

اضطراب القلق المتعمم Generalized Anxiety Disorder، ووصول الأمور إلى هذا الحد المرضي يفرض على المسلم طلب العلاج من الطبيب النفسي، إلى جانب اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى وطلب رفع البلاء منه.

كما أنه من الممكن أن تسير الأمور في اتجاه آخر، هو اتجاه الزهد في الدنيا، بناء على أن نهايتها هي الموت، والذي يمكن أن يحدث في أي وقت وفي أي ظرف، وسنجد أيضًا أن لهذا الزهد في الدنيا درجاته.

الخوف من الموت والزهد في الحياة

الزهد الذي نعنيه هنا هو الزهد في الشيء لا الإعراض عنه لعدم الرغبة فيه أو الميل إليه، ولا عدم الإحساس بأهميته، ولا العجز عن القدرة على الاستمتاع به، وإنما الزهد المحمود هو الزهد في الشيء الذي يقاوم فيه المسلم شهوة حية في داخل نفسه للشيء المزهود فيه.

وما يقاوم إلا طمعًا في فضل أكبر من الله عز وجل، مثل هذا الزهد لا يتعارض مع أن يعيش المسلم حياة طبيعية يتفاعل فيها مع الآخرين، وينتج ويبدع ويتعلم ويتفوق؛ لأنه بذلك يلتزم بما وضعه له الإسلام من طريقة في الحياة، فليس الزهد إذن زهد الرهبان الذين يرون المتعة في ذاتها حراما.

والإضافة إلى ذلك هناك الاكتئاب؛ فمن خلال ممارستي العملية للطب النفسي مع المسلمين يمكن أن أقول أن الخوف من الموت هو لب تلك الأعراض.

فكثيرًا ما يصاحب مرضى اضطرابين نفسيين تبدو العلاقة بينهما وثيقة من ناحية الاستجابة للعلاج نفسه في الاضطرابين، ومن ناحية التواكب المراضي Comorbidity بينهما أيضًا، وهما اضطراب نوبات الهلع واضطراب الاكتئاب الجسيم، حيث يعالج كلاهما بمضادات الاكتئاب، كما تظهر أعراضهما معا في نفس الوقت أو غير الوقت في نفس المريض.

________________________________________________________________________________________________________________

أ.د. وائل أبو هندي