يقول الشيخ عبد الله قاسم الوشلي، من كبار دعاة اليمن:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى أصحابه ومن والاه، وبعد: أخي الكريم، لاشكَّ أنَّ التعامل الدعويَّ مع من هو في هذه السنِّ الذي ذكرته يحتاج إلى حكمةٍ وبصيرة، كما أنَّه يُتطلَّب له سعة صدرٍ ولينٍ ولطفٍ في الخطاب، كما يستدعي معرفةً تامَّةً بالمداخل إلى نفسه، واستيعاباً لظروفه وأحواله، وأعظم شرطٍ أن تكسب الثقة عنده، وأن يقتنع أنَّك تحبُّه وتريد له الخير و السعادة.

والذي يبرز هذه المعاني ويحققها هو:
أولاً: حسن التعامل مع المدعو بالقول، بحيث تتحرى فيه الحُسْن: “وقولوا للناس حُسْنا”، وتتخيَّر من الكلام ما هو أحسن: “وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن”، وأن تكون ليِّنا وتتجنَّب الغلظ في القول مهما كان الأمر: “فقولا له قولاً ليِّناً لعلَّه يتذكَّر أو يخشى”، “ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك”، وأن يكون القول واضحاً لا غموض فيه، وأن يكون الخطاب متناسباً مع عقله ووعيه وإدراكه، وأن تجتنب العبارات المنَّفرة والألفاظ النابية والمعاني التي يكره سماعها، وأن تحسن المدخل إلى نفسه وفكره وعقله في بداية التخاطب معه.
ثانياً: حسن التعامل مع المدعو بالفعل، بحيث تمثِّل في نظره القدوة التي يرى من خلالها أنَّ دعوتك متجسِّدةٌ في مقالك: “لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ”، وأن تحسن التعامل معه عطفا، وحنانا، وأخوَّة، وإيثارا، وحرصاً على مصلحته، وبشاشةً في وجهه، وبسمةً للحبِّ والإخاء، وتعاوناً معه في مطالبه في حدود المرضيِّ عند الله تعالى، وأن تنزله منزلته، وتضعه في مكانته، وتشعره بأنَّه المكلَّف المسؤول أمام الله عزَّ وجلَّ عن نفسه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُنْزِل الناس منازلهم”رواه أبو داود والحاكم، وسنده صحيح.
أخي الكريم، إنَّ هذه السن هي المرحلة التي تقوى فيها العاطفة على العقلانيَّة، والسرعة على التؤدة، والحماس والاندفاع على الترتيب والحساب للأقوال والأفعال، ولذلك لابدَّ أن تضع في اعتبارك في التعامل الدعويُّ أموراً هامَّةً من حيث العرض والإقناع، أو الانتماء أو التكليف، أو إشراكه في بعض المهام الدعويَّة، أو في حالة التخلية له أو حالة التحلية له، أو غير ذلك ممَّا يتطلَّب التعامل الدعويُّ أن يكون كلُّه محلَّ اعتبار، وأن تحسب لكلِّ شيءٍ حسابه بحيث يكون تعاملك ناجحا، ودعوتك فيه مؤثِّرة، والاستجابة من قِبَله سريعة، والتفاعل مع الأفكار والمضامين إيجابيّا.

أمَّا وسائل دعوتك، فهي التالي:
1- أوَّل ما يجب أن توفِّره لأصحاب هذه السنِّ البيئة الصالحة والوسط الطيِّب، وإن كان يعيش في غير ذلك فاسع إلى نقله إلى بيئةٍ صالحة، فإن لم تجد، فلابدَّ من إحاطته ببيئةِ تحقق له الحد الأدنى من الوقاية، وإلا فالغالب أن التأثُّر بالدعوة في ظلِّ البيئة السيِّئة يكون بسيطا، والاستجابة ضعيفة، إذ التجاوب إيجاباً أكثر صعوبة ومشقَّةً من التجاوب سلبا.
أخي الكريم، لابدَّ من إحاطة هؤلاء الشباب بالرفقة الصالحة والجلساء الصالحين، فإنَّ القرين بالمقارن يقتدي، وفي الحديث: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”رواه الحاكم، وقال: حديثٌ صحيحٌ ولم يخرجاه، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً لجليس السوء والجليس الصالح، وأخبر بأنَّ الأخير مثل حامل المسك إمَّا أن تشتري منه، وإمَّا أن تشمَّ منه الرائحة الطيبة، ولذلك لابدَّ من إحاطة هؤلاء الشباب بغيرهم ممَّن هم على سنِّهم أو قريبٍ من ذلك.

2- لابدَّ لمثل هؤلاء الشباب من تعدُّد أساليب التأثير والكسب، وذلك من خلال أنشطةٍ متميِّزةٍ هادفةٍ ومتنوِّعة، كالأنشطة الرياضيَّة، وبرامج تنمية المهارات والميول والمواهب، وأماكن التسلية المنضبطة، وغير ذلك.

3- لابدَّ من وجود محاضن تربويَّةٍ وتعليميَّة يتربَّى فيها هؤلاء الشباب، كي يتلقَّوا الدين والعقيدة والتربية، وتتحقَّق من خلال ذلك التزكية، كما ينبغي لهم أن يكون لهم اتِّصالٌ بأهل العلم ورجال الدعوة، و بالأخصِّ الربَّانيِّين، كي تتحقَّق لهم الاستفادة والتأثُّر، ويرسخ في نفوسهم الإيمان والتقوى واليقين، وفي نفس الوقت تحقِّق الهدف الدعويَّ من غرس العقيدة: “ولكن كونوا ربانيِّين بما كنتم تعلِّمون الناس وبما كنتم تدرسون”، “قد أفلح من تزكَّى”، “قد أفلح من زكاها”، كلُّ ذلك يحقِّق الهدف الدعويَّ من غرس العقيدة، والإقناع بالفكر، واكتساب الخُلُق، وتأثُّر بالقدوة، وأخذ العبرة، والترابط مع إخوةٍ تشعره بمسؤوليَّته تجاه دينه.

وفي النهاية لا يسعني إلا أن أقول لك: وفَّقك الله، وزادك من فضله، وأعانك على هذا الهدف الطيِّب خصوصا في تلك البلد التي لا يثبت فيها إلا الأقوياء بالإيمان والإخلاص، والله المستعان، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.

ويضيف الدكتور كمال المصري:
وبعد إجابة الدكتور الوَشَلي أكرمه الله، دعني أخي حمد أضع بين يديك نقاطاً حاكمةً أرى أنَّه من الضروريِّ أن يُلِمَّ بها كلُّ من يتصدَّر لدعوة الشباب وفي غير البلاد الإسلاميَّة على وجه الخصوص، وهي:
1- ضرورة مراعاة المرحلة العمريَّة: فللشباب خصوصيَّةٌ شديدة، وما لم ندرك هذه الخصوصيَّة جيِّداً فلن نحسن التعامل معهم، وهذه الخصوصيَّة “الشبابيَّة” بعضها يجتمع فيهم جميعاً على اختلاف مراحلهم العمريَّة، وبعضها تنفرد به كلُّ مرحلة، فالمرحلة من 14- 18 مثلاً تختلف عن المرحلة من 19- 23، وهما تختلفان عن المرحلة من 24-30، وهنا لابدَّ من التفصيل في هذا الأمر:
أ- نقاط الاختلاف بين المراحل: وهذا الاختلاف ينشأ بسبب اختلاف مراحل النموِّ، وتغيُّر الاهتمامات والتطلُّعات، وإعادة ترتيب أولويَّات الحياة، فبينما يشغل فكر صاحب المرحلة الأولى “14-18” محاولة إثبات “رجولته” للعالم كلِّه، وأنَّه لم يعد طفلاً، وإنَّما رجلٌ يمكن الاعتماد عليه، ويجب التعامل معه على هذا الأساس، وبالتالي الاستماع إليه والأخذ برأيه، عوضاً عن ضرورة حصوله على استقلاليَّته وخصوصيَّته، فبينما تكون هذه أولويَّات المرحلة الأولى، نجدها تتغيَّر في المرحلة الثانية “19-23” متَّجهةً نحو تأكيد النفس وإثبات الذات، فيبدأ في محاولة التعرُّف على إمكانيَّاته وقدراته، ثمَّ العمل على تنميتها وتطويرها كي تحقَّق له كيانه ووجوده، كما يبدأ في رسم مستقبله كيف يكون، وما الذي يحبُّ أن يكونه، ثمَّ تأتي المرحلة الثالثة “24-30” بفكرٍ أكثر واقعيَّة إن صحَّ التعبير، فيبدأ الشابُّ في التفكير وفق ما لديه من معطيات في كيفيَّة بناء حياته ومستقبله، وما أفضل الطرق للوصول به إلى ما يصبو ويرجو بادئاً من الدرجة التي هو واقفٌ عليها بالفعل لا من خلال أحلامٍ كانت تراوده في المرحلتين السابقتين، مع ما يشمل ذلك من رغبةٍ في الزواج والاستقرار والمستقبل المهنيِّ وما إلى ذلك.
وقد لاحظتَ أنت -أخي حمد- هذه الاختلافات، ولذلك أوضحت في استشارتك المراحل العمريَّة المختلفة التي تعاملتَ معها، وطلبت النصح في المرحلة الجديدة التي بدأت العمل في دعوتها.

ب- نقاط الاتِّفاق بين الفترات: ورغم كلِّ ما ذكرته في النقطة السابقة من اختلافات إلا أنَّ الشباب تجمعهم بعض الأمور التي تؤثِّر فيهم وتحكمهم، وتحكم ردَّة فعلهم نحو تعاملاتهم وحياتهم وممارساتهم، ومن هذه الأمور:
– الحيويَّة الدافقة: فالشباب على اختلاف مراحله ينعم بالحيويَّة الدافقة، والحركة والنشاط -على بعض الاختلاف البسيط في هذه السرعة والحيويَّة حسب كلِّ مرحلة-، فتجد حركة الشابِّ سريعة، وردَّة فعله كذلك سريعة، واستجابته سريعة، واتِّخاذه لقراراته سريعةً كذلك، وهذا كلُّه ينبغي على الدعاة الالتفات إليه، وتوجيه هذه الحيويَّة في بناء الشابِّ فكريًّا وجسميّا، بحثِّه على الثقافة والقراءة وتنمية العقل، وبتنمية مواهبه الرياضيَّة، وبتحقيق وتطوير هواياته وميوله النافعة المفيدة.

– الإقدام: يتميَّز الشباب بالإقدام الذي قد يصل إلى التهوُّر في كثيرٍ من الأحيان، فإذا ما حدث موقفٌ معيَّن، أو حادثةٌ ما، تجدهم يثورون ويصولون ويجولون، في ردود أفعالٍ قد تكون بعيداً عن الواقعيَّة والمنطق، وأبرز مثالٍ على ذلك موقف الشباب في الخروج من المدينة لمقابلة المشركين في غزوة أُحُد، والقصَّة معروفةٌ وشهيرة، وهنا أنبِّه الدعاة إلى ضرورة عدم كبت هذا الإقدام تحت شعار الحكمة والتعقُّل، وإنَّما الاستفادة منه قدر الإمكان، لأنَّ التنوُّع ضروريّ، والجمع بين حكمة الشيوخ وإقدام الشباب هو أكسير النجاح، وهكذا خلق الله الناس وعلى كلِّ واحدٍ أن يلعب دوره هو لا دور غيره، ولذلك خضع رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأي الشباب في الخروج من المدينة يوم أُحُدٍ رغم اقتناعه بخطأ هذا التصرُّف، وكم رأينا من شبابٍ فقدوا الصفة “الشبابيَّة” وتحوَّلوا إلى شيوخٍ صغار السنّ، لأنَّ من ربَّاهم كبت فيهم هذه الشبابيَّة الدفَّاقة، وحوَّلهم إلى كهولٍ لم يبقَ مطلوباً منهم إلا صبغ رؤوسهم باللون الأبيض!!
أرجو الانتباه لذلك جيِّدا، وإطلاق العنان لإقدام الشباب مع ترشيده والاستفادة منه إلى أبعد مدى، ودعنا نتَّفق على أن نسمِّيه بـ “التهوُّر المنضبط”.

– الرغبة في إثبات الذات: يتَّفق الشباب جميعاً في رغبتهم في إثبات ذاتهم، وتحقيق شخوصهم أمام الناس، حتى وإن كانت قدراتهم الحقيقيَّة أقلَّ ممَّا يظنُّون في أنفسهم، وهنا يكون على الداعية الماهر أن يسمح لهؤلاء أن يبرزوا ما لديهم من إمكانيَّات، وأن يحقِّقوا ذاتهم، فيستمع إلى آرائهم، ويسمح بكثيرٍ من تبادل الحوار والنقاش، ويأخذ ببعض آرائهم، ويفسح لهم المجال قدر الإمكان لإثبات الذات وتنمية المواهب والمهارات، على أن يقوم بتوظيف كلِّ ذلك لمصلحة الشابِّ ومصلحة الدعوة.

– التقلُّب: فالشباب عموماً من الممكن أن يتَّخذ قراراً أو رأياً أو تصرُّفاً ما، ثمَّ يعدل عنه بعد فترةٍ بسيطة، فملاحظة ذلك أمرٌ ضروريّ، وينبني عليه عدم اتِّخاذ القرارات والأحكام بناءً على موقفٍ واحد، أو تصرُّفٍ “شبابيّ”، وإنَّما الأحكام بالتراكم.

– الميول العاطفيَّة: هذه الفترة من العمر تبرز فيها الميول العاطفيَّة بشكلٍ واضح، فالحبُّ الجارف عنوانها، والكره المطبق شعارها، فالشابُّ حين يُحبُّ يُحبُّ بشدَّة، وحين يكره يكره بشدَّة، وربَّ موقفٍ يجعله يحبُّك مهما فعلت معه بعد ذلك، وربَّ آخر يغلق باب قلبه أمامك بأشدِّ أنواع الأقفال وأوثقها، وعلى الداعية الذي يتعرَّض لدعوة الشباب أن يحرص في تصرُّفاته كلَّ الحرص، هذه واحدة، أمَّا الثانية في موضوع ميول الشباب العاطفيَّة، فهو ميل الشابِّ إلى الجنس الآخر، فإذا كان فتى فكلُّ فتاةٍ تنظر إليه فهي تحبُّه، وكلُّ بنتٍ ابتسمت له فهي عاشقةٌ هيمانةٌ به، والأمر كذلك بالنسبة للفتاة، هذه المعلومة تتطلَّب من الدعاة الحكمة والرويَّة في التصرُّف والعلاج حين تصلهم بعض هذه المشكلات، كما أنَّ عليهم أن يفتحوا مجالاً للشباب كي يحدِّثونهم في مشاكلهم “العاطفيَّة” هذه، وعليهم أن ينتبهوا إلى عدم الاستهزاء بهذه المشاعر حتى وإن كانت كاذبةً أو متخيَّلة، بل يستمعون لهم ويناقشونهم في تعقُّلٍ وصبرٍ ووضوح، بعيداً عن الاستهزاء والتسفيه والإنكار والتوبيخ، إذ أنَّ غلق الباب أمامهم خطأ، وهو ذريعةٌ لتصرُّف الشابِّ بعيداً عن مربِّيه، فيكون ذلك وسيلةً لخطأٍ أكبر، ملاحظة هذه العواطف مهمّ، التركيز على التصرُّفات الشخصيَّة للداعية أمرٌ ضروريّ، الاستماع والحوار والنقاش والإقناع وإبقاء الخطوط مفتوحةً أمرٌ لا مفرَّ منه.

2- مراعاة البيئة: كما راعينا طبيعة المرحلة “الشبابيَّة” علينا مراعاة البيئة التي يعيشون فيها، فأنت يا أخي حمد كنت تمارس الدعوة في بلدك، والآن أنت تمارسها في أمريكا، وبالتأكيد الأمر يختلف، والناس تختلف، والتربية تختلف، والتطلُّعات والآمال تختلف، والمشاكل والهموم تختلف، وبناءً على ذلك ففكر الدعوة والعلاج يجب أن يختلف، إنَّك إن مارست نفس الوسائل التي كنت تمارسها مع شباب بلدك، إن مارستها مع الشباب في أمريكا، تكون كمن أراد أن يجعل رجالاً كباراً يقومون بعملٍ ما فوعدهم إن قاموا بذلك أن يعطيهم قطعةً من الشيكولاتة، ظانًّا أنَّه أسلوبٌ ناجعٌ معهم، لأنَّه جرَّبه من قبلُ مع الأطفال ونجح!!
فلكلِّ بيئةٍ خطاب، ولكلِّ مقامٍ مقال، واسمح لي أن أنقل لك طرفةً بسيطةً ولكنَّها عظيمة المعنى، إذ قيل يوماً أنَّ فتاةً صغيرةً كان عندها قطَّةٌ تحبُّها كثيرا، ثمَّ كان أن سافرت هذه الفتاة في عطلة الصيف لزيارتها عمَّتها في بلدٍ آخر، وفي أحد الأيَّام نسي أهل الفتاة باب المنزل مفتوحاً، فخرجت القطَّة إلى الشارع فصدمتها سيَّارةٌ فماتت، فما كان من أهل الفتاة إلا أن أرسلوا رسالةً إلى فتاتهم يخبرونها بأنَّ القطَّة قد خرجت من البيت فصدمتها سيَّارةٌ فماتت، حزنت بالطبع الفتاة حزناً شديداً على قطَّتها، أمَّا العمَّة فلامت أسرة الفتاة كثيراً على إخبارها بهذا الخبر المفجع بهذه الطريقة المباشرة، وقالت لهم أنَّه كان عليهم أن يمهِّدوا لها الأمر، فيقولون مثلاً، بدأت القطَّة تحاول الخروج من المنزل، ثمَّ يخبرونها بأنَّ القطَّة اعتادت الخروج للشارع، ثمَّ يقولون لها: في إحدى مرَّات خروج القطَّة صدمتها سيَّارة، ولكنَّ حالتها لم تتحدَّد بعد، ثمَّ يخبرونها أخيراً بموتها.
وكان أن ماتت بعد ذلك بفترةٍ بسيطةٍ جدَّةُ الفتاة، وقد كانت تحبُّها الفتاة جدًّا ومرتبطةً بها أيَّما ارتباط، وإذا برسالةٍ تصل للفتاة من أهلها، وتقول الرسالة: “إنَّ جدَّتكِ اعتادت الخروج من المنزل”!!!!
هذا ما يفعله استخدام الخطاب الخطأ، دون مراعاةٍ لبيئة المدعو والظروف المحيطة به.

3- الخروج من المدينة الفاضلة: من الخطأ الكبير أن نبني تربيتنا في “المحاضن التربويَّة” على فصل المدعو عن واقعه بدعوى فساد هذا الواقع، فهذا الفصل حريٌّ بأن يقضي على هذا المدعو بجرَّد اتِّصاله اتِّصالاً خفيفا بواقعه، وقد كنت فصَّلت في هذا الأمر في استشارةٍ سابقة، حبَّذا لو رجعت إليها، وعنوانها:
الصدام مع الواقع.. الخروج من المدينة الفاضلة

4- التدرُّج.. والأولويَّات.. التأسيس: في تربيتك لهؤلاء الشباب عليك أن تكون متدرِّجا، مراعياً للأولويَّات، مؤسِّسا، فليس كلُّ ما ينبغي أن يلتزم به المدعو يُصَبُّ عليه مرةً واحدة، فالتدرُّج منهجٌ اتَّخذه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعلينا أن نلتزم به، فنبدأ بالأولويَّات، فلا نحدِّث الشابَّ في ضرورة شرب الماء قاعداً مثلاً وهو لم يلتزم بالصلاة بعد، ولا ندْعُه كي يقوم بواجب الدعوة ولمَّا يخالط الإيمان والعقيدة شغاف قلبه، فالتأسيس أوَّلا، البدء بأساس البناء ثمَّ يأتي بعد ذلك الحديث عن “الثانويَّات” و”المحسِّنات”، هذا ما تأسَّس عليه ديننا، وعلينا أن نبني عليه حياتنا.

هذا ما أحببتُ أن أشير به عليك أخي حمد، راجياً لك التوفيق والسداد وشرح قلوب الناس لك، فما أنت بصدده أمرٌ شاقٌّ عسير، يحتاج صبراً وهمَّةً وتوفيقاً من الله تعالى، والأمل موجودٌ فيك بإذن الله تعالى، وأبرز مثالٍ عليه قولك: “إنَّه أمرٌ جديدٌ بالنسبة لي، ولكنَّني على استعدادٍ للتحدِّي، خاصَّةً وأنَّ الجزاء “جنَّات الله”، كلامٌ جميلٌ أسأل الله تعالى أن يجمعنا وإخواننا الدعاة في هذه الجنَّات، ودع الحديث بيننا يستمرُّ ويمتدّ.

ملاحظة: كنتَ قد أشرتَ في استشارتك موضوع “المنهج”، وقد يسَّر الله تعالى لنا فيه بعض الجهد في استشارةٍ سابقة، أرى أن تطالعها من فضلك، وعنوانها:
منهجٌ في الدعوة والثقافة

استشاراتٌ سابقةٌ مرتبطةٌ بالموضوع:
قواعد في الدعوة إلى الله
قواعد في الدعوة الفرديَّة.. استشارتان
مفاهيم للشباب.. إن المحبَّ لمن يحبُّ مطيع
في الغربة.. تراجع إخواني إيمانيًّا.. أخاف أن أفقدهم