من تعمد عدم الصيام في شهر رمضان فهذا لا تجب عليه الكفارة، ولكن عليه أن يقضي أياما غير الأيام التي أفطرها توبة إلى الله، وبراءة إليه من هذا الذنب العظيم. فالكفارة تجب على من نوى الصيام ثم أفسده بالجماع.

وليس معنى هذا أن من تجرأ على تعمد الإفطار أقل إثما ممن نواه ثم ضعف أثناء النهار فغلبته شهوته، ولكن ذلك كمن حلف يمينا على أن لا يفعل شيئا، فله أن يكفر عن هذا اليمين، ويأتي ما حلف عليه، أما من حلف بالله كاذبا فلا تفيده الكفارة ولا تشرع في حقه.

ذلك أن تعمد عدم الصيام في رمضان، وتعمد الحلف كاذبا من الذنوب الكبار التي لا تمحوها الحسنات، ولا تجبرها الكفارات، ولكن لابد لها من توبة يمحو بها ذنوبها السالفة.

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:-

العجيب أننا نرى كثيرا من المسلمين والمسلمات يصومون رمضان، ولكنهم -واأسفاه- يتركون إقامة الصلاة، وهي أعظم فرائض الإسلام بعد الشهادتين. فلا يجترئ على انتهاك حرمة رمضان بالإفطار فيه عمدا، إلا امرؤ فاجر، والعياذ بالله تعالى شأنه.

ومنهم على العكس يحافظ على الصلاة، ويضيع صيام الفريضة السنوية التي أوجبها الله تعالى شهرا في كل عام، ليهيئ النفوس لتقوى الله عز وجل، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ  لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  } البقرة:183 .

فمن كان مفرطا في عدم صيامه لسنوات فهو مسلما عاصيا، مفرطا في جنب الله، مقصرا عن طاعته، مضيعا لفريضة من أقدس فرائضه، وركن من أعظم أركان دينه، وهذا يعني أن الأيام التي فاتته صيامها في تلك السنين، دين في عنقه، يلزمه قضاؤها، مثل كل الديون الواجبة على الإنسان، لله أو للناس. وفي الحديث الصحيح: “فدين الله أحق أن يقضى”.

ومضي السنين لا يسقط هذا الدين أو هذا الحق الواجب لله على عبده، فإن مضي الزمن في الإسلام لا يسقط حقوق العباد، ولا حقوق الله. بل يظل لازما في رقبة كل مدين، حتى يؤديه أو يؤدى عنه، أو يطالب به يوم القيامة.

والمطلوب هو: قضاء يوم عن كل يوم لم يصمه في رمضان خلال السنوات السابقة.

وربما يقول هذا بعض الناس أو يتصورونه، على أساس أن من أفطر عمدا في نهار رمضان – بالجماع في بعض المذاهب، وبه وبالأكل والشرب في مذاهب أخرى- يجب عليه كفارة مغلظة عن كل يوم تحرير رقبة، أو صوم شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكين، على الترتيب، أو على التخيير، حسب اختلاف الأئمة رضي الله عنهم.

ولكنا نقول: هذه الكفارة إنما في حق من صام وأفطر عمدا في صيامه، فجعلت هذه الكفارة تطهيرا له.

أما من لم يصم أصلا، فهذا لا كفارة له. مثل اليمين المنعقدة فيها الكفارة، أما اليمين الغموس التي يتعمد الحالف فيها الكذب فلا كفارة فيها، بل فيها التوبة فقط.

فباب التوبة مفتوح لكل ذنب صغر أو كبر، سواء كان ترك مأمور، أم فعل محظور.

ولا تقبل الفدية عن صيام كل يوم: إطعام مسكين، إلا ممن عجز عن الصيام تماما، ولم يعد قادرا على صيام رمضان أداء، فيسقط عنه قضاء.

إما إذا قدر، فلا يصح منه إلا الصيام. وننصح المسلم المقصر أن يصوم في أيام الشتاء، فهي أيام قصيرة وباردة، وكثير من المسلمين يصومون فيها تطوعا. كما قيل: الشتاء ربيع المؤمن: قصر نهاره فصامه، وطال ليله فقامه.

وإن استطاع المسلم أن يعزم على الصيام في كل سنة في الشتاء ثلاثة أشهر متتابعة، فنؤكد له أنه حين يتابع الصوم، سيسهل عليه، ولن يشعر بأي حرج أو ثقل، وخصوصا مع شعوره بأنه يتلافى تقصيره فيما مضى، ويؤدي دينه، ويرضي ربه، ويصحح توبته، ويبيض صفحته.