لماذا نحتاج لطرح صيغة جديدة من صيغ الإجابة على سؤال: “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟”، وهو ذلك السؤال الذي كان العلامة “أبو الحسن الندوي” قد أثاره قبل حوالي 70 عامًا، يحاول فيه إعادة الثقة للمسلم في دينه ونظريته الحياتية. هل هناك حاجة حقيقية لإعادة طرح مثل ذلك التساؤل مرة ثانية؟ وما هي إن وُجدت؟ ولماذا يرى البعض أنه سؤال إشكالي ضار نسبيًا ما لم يتم توجيهه الوجهة الصحيحة؟ هذه الأسئلة تحاول تلك المقدمة البسيطة الإجابة عليها.

سؤال إشكالي.. بالنظر لمضمونه الأيديولوجي

ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ هذا السؤال المطروح -من دون شك- سؤال كبير يتعلق بتاريخ يربط مجموعة كبيرة من الأطراف فيما بينها، والمطلوب تحديد –بدقة- ماذا خسرت هذه الأطراف جميعًا؟ وهو في ذات الوقت يفترض أن لدينا تصورًا واضحًا ودقيقًا عن الحال التي كان من المفترض أن يبلغها المسلمون ولم يبلغوها، وبناء على هذا التصور يتحدد حجم الخسارة!

أو أن معيار الخسارة -في ظل واقعنا المتردي، وما شهدناه من كتابات- سيكون عودة إلى الماضي لنرى واقع المجتمع الإسلامي النموذجي الذي مثَّل تجسيدًا لقيم الوحي الإلهي، وهذا من دون شك يفترض أن المسلمين كانوا من المفترض أن يبلغوا هذا المبلغ نفسه؛ ما يعني استنساخ ذات المجتمع النموذجي في عصور لاحقة وهو غير ممكن إلا إذا توقف الزمن!

والسؤال نفسه يعيدنا إلى سؤالين آخرين، حضرت -الأسئلة الثلاثة- بقوة في التاريخ الحديث للعرب والمسلمين: الأول: “لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟”، الذي عَنون به شكيب أرسلان أحد كتبه، والثاني: “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟”، الذي طرحه أبو الحسن الندوي، ودوَّى في العالم الإسلامي، والثالث: “ما الدور الحضاري للأمة المسلمة في عالم الغد؟”، الذي كان حاضرًا في ثنايا السؤالين السابقين، وبَلْوره مؤخرًا مركز البحوث والدراسات في قطر.

وهذه الأسئلة الكبرى تعكس مستويات ثلاثة من التفكير بأزمة الأمة ورسالتها؛ فالسؤال الأول يعكس قلقًا وجوديًّا في نهايات عصر النهضة وبداية القرن العشرين، عندما بدأت النهضة تفقد ديناميتها وقوة دفعها. والثاني جاء في منتصف القرن العشرين؛ حيث بدأت تستحكم مظاهر التغريب والتبعية للآخر؛ ليعيد الثقة لنفوس المسلمين برسالتهم الخالدة، وهو ما اقتضى عَكْسَ السؤال المفترض -والراهن الآن- “ماذا خسرنا نحن بتقدم غيرنا؟”.

أما السؤال الثالث فأتى في سياق الإمعان بهامشية العالم الإسلامي، وانخراطه في تنميط العولمة / الأمركة، مع اليقين بفشل النموذج الغربي والأمريكي تحديداً، لكن معظم المساهمات في الإجابة عليه أخذت طابعًا تأمليًّا أكثر منه محاولة علمية دقيقة لرصد الواقع وقراءة المستقبل؛ ربما لأننا لم نستطع تجاوز السؤال الأول بعد، ولسنا قادرين بعدُ على استشراف المستقبل، فضلاً عن أن بعض نخبتنا أو كثيرًا منها يحول دون ذلك المستقبل!

وفي حين أن السؤال الأول يحاول البحث في عمق مشكلتنا، يأتي السؤالان الثاني والثالث لمعالجة حالة الانكسار بالتبشير بالإسلام.. إنها معالجة تكاد تقتصر على البعد النفسي، وتحطيم ذلك النموذج الذي بالرغم من مساوئه لا يزال يُبهر نفوس كثيرين منا.. ومن المفارقة حقًّا أن نبقى في سؤال “ماذا خسر الآخر؟” من نصف قرن، وخسارتنا نحن تتطاول!

إن معالجة الانكسار الحضاري من ناحية نفسية فقط، سواء بالإمعان في تسويد أنموذج الآخر أم في التبشير بعودة ماضينا المشرق، ربما تفترض أن المشكلة بيننا وبين الآخر هي حالة نفسية (انبهار – تخاذل…)، في حين أنها تمتلك شروطها الموضوعية وبذورها الفكرية والنفسية. والغريب أن نحاول استعادة الثقة بـ”ماضينا”؛ فتتحول تلك الثقة في ثقافتنا إلى ركون وعطالة؛ لأننا نظن أن الله سيتكفل بتغيير الحاضر، أو أن مجرد صدق الأفكار كفيل بتغيير العالم!

وأمر آخر هو أننا نظن أن الاختراقات التي تشهدها مجتمعاتنا في ظل العولمة هي حالة “تآمرية” لنخبة متغربة، في حين أنها حالة حضارية يقلد فيها المغلوبُ الغالبَ كما يرى ابن خلدون، فضلاً عن أنه في مجتمع الفقر والعِوز يغالب المنطق “العملي” القيم والمبادئ.

وسؤال “ماذا خسر الآخر؟” يتجاهل واقع الفجوة الحضارية الحاصلة بيننا وبين الآخر (الخاسر). وربما يعتبر أننا ما نزال في مركز الحضارة، أو أن مجرد وجود “الإمكان الحضاري”، أو المقومات الحضارية كافٍ ليؤهلنا لأن نعود لمركز الحضارة، ونتحدث عن “الشهود الحضاري” و”الدور الحضاري”.

وإذا كنا نرى أن ثمة إشكاليات عديدة في السؤال نفسه؛ فما مشروعية إعادة طرحه بعد 50 سنة تقريبًا؟ الإجابة ربما تختلف تبعًا للمشاركين في هذا الملف، وتبعًا لاختلاف الموضوع المطروح (اجتماعي – سياسي – اقتصادي…).

جَهِد الندوي -رحمه الله- في الإجابة على السؤال العام لتقديم صورة مشرقة لـ”تاريخ” المسلمين، ومظلمة للغرب وحضارته؛ ليقول: “إن الأحق بقيادة العالم هم المسلمون، والعرب خاصة”. غير أن محاولته تلك ينبغي أن تُقرأ في سياقها الزمني التاريخي، ومن ثم وجدنا بعض المقدمات التي كُتبت للكتاب تقرؤه من زاوية “إعادة الثقة للمسلمين بأنفسهم وماضيهم ورجائهم بمستقبلهم”، وربما فُهمت محاولته -في أحد وجوهها على الأقل- على أنها حالة من الارتداد إلى التاريخ والاحتماء به في مواجهة العصر؛ ما عكَس حالة من العجز عن التعامل مع الواقع؛ فمن “الحقائق المؤلمة” -بحسب الندوي- أن “حلَّت السيارات محل الجياد”!

لكن الوعي المتزايد بالغرب، والإشكاليات الجديدة التي تفرضها علينا العولمة التي تجسد الليبرالية الجديدة بمختلف أشكالها، في ظل الهيمنة الأمريكية والأحداث الأخيرة التي تكشف عن حالة “العجز” في مختلف خطاباتنا، وحالات الاختراق التي تهدد منظومة القيم الإسلامية، والتي تأخذ اهتمامًا لحوحًا من التنظيمات العالمية، ومن بعض الأنظمة السياسية في الدول الإسلامية، كل ذلك يقتضي منَّا إعادة طرح السؤال:

أولاً: للتبصر المعرفي بالمفارقة الجسيمة بين مرتكزات الحضارة الإسلامية ونقيضها الغربي الذي يسعى لنَمْذَجة العالم بنمطه.

وثانيًا: لبَلْورة الرؤية الإسلامية، ورسالتها العالمية، وأن بإمكانها أن تشكل مدخلاً نظريًّا لإنقاذ أنفسنا من متواليات الاختراقات المجتمعية، وإنقاذ الآخر من أزماته التي تعصف به، على المستوى الاجتماعي والنفسي على الأقل، الذي ربما يكون الجانبَ الوحيدَ الذي لا يقع في كثير من الإشكاليات المشار إليها بداية، ويقترب فيه واقع المسلمين -وإن بدرجات متفاوتة- من قيم الوحي التي تشكل أنموذجًا عالميًّا ينبغي عولمته.

الثقة في الذات مفتاح البعث الحضاري

هذا العنوان بالغ الأهمية؛ إذ إنه يلخص جملة القول في تبرير إعادة طرح السؤال: “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟” مرة أخرى.من خلال استقراء كتابات بعض مفكري الأمة ذوي الاهتمام بالموضوع الذي بين أيدينا: موضوع البعث الحضاري للأمة حاملة رسالة الهدى للعالمين، وجدنا أنهم قد حددوا شروطًا ثلاثة للنهضة. تلك الشروط هي:

الشرط الأول: حركة المراجعة:

الشرط الأول يتمثل في توفر حركة مراجعة فكرية، بما تمثله هذه الحركة من موارد ذهنية للأمة، عبر آليات النقد، والتجديد، والاستشراف. على أن تشمل حركة المراجعة هذه كل الموارد الحياتية التي هي في حاجة إلى فحص قوي لتخليص الأمة مما سببته لها من عثرة.

البعض يصف هذه الحركة بأنها عنصر الوعي النهضوي، أو الوعي الحضاري، أو إدراك شروط النهضة. لكن المراجعة مفهوم أشمل. لقد كان ثمة إدراك دائم لشروط النهضة والبقاء على شاهد الأمم، والذي حدث تمثل في فقدان حركة المراجعة التي تقول لقادة الأمة وزعمائها: إن المتغيرات والمستجدات جعلت من المسير في الطريق القديمة أمرًا محفوفًا بالمخاطر، وإن على الربان أن يتخير طريقًا جديدًا وفق اعتبارات موضوعية، وليس ترك العجلة تدور من دون وعي بمسارها، وبالعراقيل التي من الممكن أن تحيد بالعربة وسائقها عن المسار المنشود والمتوقع.

إنها الوعي الثنائي أو الوعي المركَّب، المنطوي على شقين: الوعي بالذات من ناحية، والوعي بسمو رسالة الذات من ناحية أخرى. فهذا الوعي المركب هو أساس المشروع الحضاري النهضوي المسؤول المتبصر لما ينبغي عمله، وتوقيته، والأجواء التي يجب أن تتهيأ لكل خطوة في طريقه الطويل.

هذا الوعي المركب بالغ الأهمية؛ لأنه من دونه تتحول المسيرة الداعية إلى الرقي بالذات مسيرة يمينية التوجه، محدودة الطموح، مثلها في ذلك كمثل الحركة القومية الصربية في يوجوسلافيا السابقة.. فالحركة اليمينية المحضة تنطوي دائمًا على وعي سلبي حيال الآخر المحيط بها، وهو الأمر الذي يؤدي إلى نفي هذا الآخر. لذا كان من الطبيعي أن يصدر عن الصرب تلك المذابح التي ارتكبوها في كل من البوسنة والهرسك، وفي كوسوفا.

أما الوعي المركب فينطوي على إدراك لشروط النهضة في إطار التواصل مع الآخر لا نفيه، بل إن الفكرة النهضوية تنطوي على توفير قناعات بضرورة التحرك لإنهاض الآخر، أيًّا كان، وممارسة وظيفة التسامي بظروفه واشتراطات حياته، عبر بناء هيكل حياتي تراحمي عادل، قادر على كسر الهيكل الذي قاد لما كانت تعانيه البشرية من ظلم، وانعدام للعدالة.

ولحركة المراجعة هذه عدة مؤشرات يمكن متابعتها لمن يريد، وهي:

أ – حركة إسلامية المعرفة.

ب – حركة التجديد في الفكر الاجتماعي المسلم (بالمعنى الشامل لكلمة فكر اجتماعي، والتي تتضمن ما هو سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي).

جـ – نشأة وتنامي أدبيات وتطبيقات علم الاقتصاد الإسلامي.

د – تعدد الخطابات الإسلامية في الأقطار العربية والإسلامية، وهو ما يعكس وعيًا بالخصوصية عند التعامل مع هموم الذوات القطرية، ووعي بمعطيات ومتطلبات الحالة العالمية الراهنة عند التعامل مع الذوات القطرية والحضارية المخالفة أو المتوافقة.

الشرط الثاني: تمويل العودة إلى الذات:

لا يمكن لأي حركة نهضة أن تزدهر من دون توفر تيار تمويلي، ولو محدود يساندها في مسيرتها. وكان التيار التمويلي المرتبط بانتعاشة اقتصاديات النفط هو الأساس الذي تحرك التيار التمويلي المنشود في إطاره خلال الستينيات وحتى أواخر الثمانينيات، وتعددت صور هذا التيار بين ما هو أهلي أو حتى فردي، وما هو جماعي مؤسسي يرقى لكونه تيارا تمويليا في بعض الأحيان.

ومع اتجاه الدول العربية لتوسيع حجم الإنفاق على مشروعاتها التسليحية والتنموية والاجتماعية والترفية، ومع الضغوط المالية على موازنات الدول العربية، ثم مع ضغوط الديون الداخلية والخارجية الكبرى التي باتت تعاني منها بعض الدول العربية.. بدأ التيار التمويلي الرسمي في التقلص والتراجع، مفرغًا الساحة تقريبًا لمصادر التمويل الفردية أو الأهلية، وعلى الرغم من أن الفراغ الذي خلفته المصادر التمويلية الرسمية كان كبيرًا.. فإن المصادر المتاحة استطاعت أن ترتب أولوياتها لتستثمر التمويل المتاح على الوجه الأمثل؛ فكانت المشروعات الفكرية التي عرضناها من قبل.

لكن قبل أن نبارح هذين الشرطين ينبغي ألا نعتبر حالة هذين الشرطين وردية بالنسبة للأمة، بل كانت حالة خانقة، تضافرت فيها على حملة مشعل المراجعة قوى أمنية وسياسية وثقافية واجتماعية ومالية طاغية استهدفت كسر هذه الحركة؛ فنجحت حينًا وأخفقت حينًا، وقيض الله تعالى لهذه الحركة أن تخرج ببعض الحصيلة التي واصلت بها مسيرتها. ومن بين مصادر التمويل التي واصلت المسير وتبنت عملية الإحياء الإسلامي نجد ما يلي:

أ – مؤسسات الوقف المنتشرة في بعض الدول العربية والغربية.

ب – المؤسسات الثقافية المرتبطة ببعض الجهات الرسمية، كوزارات الأوقاف والإعلام في بعض الدول العربية.

جـ – مجموعة دور النشر المرتبطة بحركة المراجعة الفكرية، وإن كانت هذه الشريحة بصفة خاصة قد بدأت في التقلص؛ لما سيطر عليها خلال فترة الصحوة الجماهيرية من اتجاهات تجارية.

د –المصارف الإسلامية التي كانت الابن الشرعي الأساسي، أو أحد الأبناء الشرعيين الأساسيين لحركة المراجعة والتجديد.

الشرط الثالث: الوسيط النفسي:

رصد العلامة ابن خلدون من قبلُ حالة حضارية عرفها بأنها حالة ولع المغلوب حضاريًّا بتقليد الغالب، وأسماها حالة الانكسار الحضاري. غير أننا نرى أن هذه التسمية سلبية من دون داعٍ. فولع المغلوب بتقليد الغالب ليس دوما ظاهرة سلبية، بل قد يكون بداية لعلاقة جدلية بين مقومات النجاح في مشروع الآخر ومقومات النجاح في مشروع الذات، وقد يسفر عن التحامهما مشروع قومي جديد، تحمله تلك الشعوب التي ولعت ذات يوم بتقليد الغالب.

هذا ليس طرحًا نظريًّا. فالخبراء قبل خمس سنوات تكلموا عن نظرية أسموها النمط الأسيوي للقيم، وقصدوا بها أن خبرة دول جنوب شرق آسيا في التنمية قامت على أساس من استلهام النموذج الغربي، لكنها – بالرغم من أنها قطعت شوطًا لا بأس به في مجال التنمية، إلا أنها انتهت إلى غير الطريق الذي بدأ منه الغرب. وقد فسر المراقبون ذلك بأن ما حدث كان نوعًا من استلهام مقومات النموذج الغالب، والبحث عن أفضل ما فيها، ثم دمج هذه المقومات بأفضل ما أنتجته الذات من منظومات قيمية، أساسية أو فرعية، وأنتجت في النهاية نموذجًا مختلفًا، لا هو منبتّ الصلة بالذات وجذورها، ولا هو في نفس الوقت عاجز عن التواصل مع معطيات الفاعلين الغالبين الذين يفرضون قواعد اللعبة على الضعفاء.

لكن تأكيدنا على هذا المعنى لا ينبغي أن يصرفنا عن خبرات تاريخية معاصرة شهدت تحقق حالة من الحيرة الحضارية، وذلك بسبب نشوء نخب في المجتمعات المغلوبة ترى أن أفضل سبل التنمية هو اقتفاء أثر الغالب، وهم من نطلق عليهم الاقتفائيين. تلك النخب تسببت في تحقيق استلاب الأمة من ماضيها، وإشاعة اغترابها في العالم المعاصر.

هذه المشكلة.. مشكلة الحيرة الحضارية ذات بعد موضوعي، لكنها في الأساس قامت على اختلال نفسي، قامت على نخبة تفتح وعيها على حالة الاستلاب العامة، من دون إدراك ما يمكن أن تتفتق عنه حالة الوعي هذه. ومن هنا نشأت المشكلة نفسية بالأساس، ثم تعمقت أبعادها بجهد النخب التي تولت تعميق الأبعاد القيمية والاجتماعية والنفسية.

من خلال ما سبق نجد أن الأساس في مهمة هذا الملف، وما شابهه من جهود فكرية وإعلامية وتربوية، ما يلي:

أولاً: فهم الغرب فهمًا دقيقًا يفضي إلى كشفه أمام مريديه؛ باعتباره أنموذجا لحياة الآلات والجمادات، لا نظامًا لإحياء البشر. المراد كشف الغرب على حقيقته، وتعريته أمام مريديه؛ ليبدو كما هو بلا تزيين من الميديا الأميركية الهوليوودية الساحرة.

ثانيًا: إن ما نحاول أن نقدمه هنا نوع من التحليل الموضوعي للواقع الغربي في إطار القيم الإسلامية. نحن نريد أن ندرس الغرب من خلال استخدام قيمنا نحن، بعد أن ظل يحتكر هو القيام بهذه العملية، تارة باستخدام مفهوم الديمقراطية، وتارة باستخدام مفهوم المجتمع المدني، وتارة باستخدام مفهوم التنمية.. وعلى هذا لا يمكن التعاطي مع طرح يقول بأن مثل هذا السؤال سببه رغبة في استعادة الثقة عبر البحث في أمجاد أسلافنا.

كما لا يمكننا أن ندعي أن اقترابًا كهذا يتجاهل ما خسرناه نحن أنفسنا طيلة فترة انحطاطنا. فمنذ أن يبدأ القارئ الفاضل في التهام الأوراق التي بين يديه سيجد أن الاقتراب الذي نعنيه يستبطن مسيرة التقليد بولع المغلوب بتقليد الغالب، وهي الفكرة التي يمكن أن ندركها بعمق أكبر حين نتناول الآخر الذي نقلده لنعرف مصيرنا.

لكن ينبغي علينا أن نقولها صريحة.. نحن لا نقول: إن الغرب كوم حطام. بل هو كيان متميز ناجح في إنتاج نظام تشغيل فعَّال، لكنه كيان آلي، كيان مات فيه الإنسان، وحلت محله مجموعة من الآلات الظالمة الباطشة الطاغية المستكبرة التعيسة المسكينة، التي تشقى بنفسها وتسبب لكل من حولها الشقاء، برغم ما تحياه من وفرة وأريحية..

وفي هذا الإطار سيكون هذا الملف “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟” ملفًا مفتوحا.. نستكتب فيه أفاضل علمائنا، كما لن نبخل بالمساحة فيه على شباب مبدعينا. إنها بالفعل دعوة لمشاركة كل مبدع شاب في بناء هذا الملف، سواء بتقديم اقتراحات، أو بتقديم كتابات.

وسوف يتم تقسيم ملف ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ إلى عدة محاور تمثل كافة الأبعاد التي نريد تغطيتها في الظاهرة محل التناول، حيث سنتناول البعد الفلسفي، والبعد السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والبيئي..


أ. معتز الخطيب – أ. وسام فؤاد